18 سبتمبر 2025

تسجيل

الإخوان ونهاية التاريخ

08 أغسطس 2012

يخطئ من يتصور أن التاريخ يمكن أن ينتهي متى انتصرت مجموعة الأبطال الطيبين على مجموعة الأشرار المفسدين، كما يحدث في القصص الدرامية، فانتصار معتنقي نظرية أو مذهب أو أيدلوجية هو دوما ظاهرة مؤقتة ومشروطة، وليس وضعا نهائيا مؤبداً. ولكن الحاصل أن هذا الاعتقاد الخاطئ بإمكانية انتهاء التاريخ عند انتصار "الأبطال" على "الأشرار" مثل عاملا مشتركا بين معظم الأيدلوجيات المعاصرة، التي افترض أنصارها أن وصولهم إلى مواقع السلطة كفيل بأن يفك عقدة الدراما التاريخية، ويصل إلى حالة الانفراجة حيث يختفي الصراع ويحيا الجميع في استقرار وأمن. وكان الماركسيون أشهر من عبروا عن فكرة النهاية السعيدة للتاريخ في أدبياتهم، عندما تخيلوا التاريخ على أنه ساحة تتصارع فيها الطبقات، ويكون النصر في النهاية حليف القوى العاملة، بعد أن ينتصر الحزب الشيوعي على القوى الرجعية والرأسمالية ويضع العمال في صدارة المشهد فينتهي الصراع ويعم الاستقرار. كما آمن فريق من الليبراليين بفكرة نهاية التاريخ، وذلك حينما تنتصر آليات السوق، وتختفي المعوقات التي تعترض حركة السلع والخدمات، ويصبح الرأسماليون الطيبون هم المتحكمون الوحيدون في مجريات الأمور على مستوى العالم. آفة هذا التفكير الحتمي أنه كان كثيرا ما يستخدم لتبرير أفعال وسياسات النخب الأيدلوجية الحاكمة، أكثر مما استخدم كمعيار لتقييم أدائها، فالماركسيون اقتلعوا شعوبا كاملة من أوطانها وأعادوا تسكينها في أراض غريبة بحجة التمكين لسيطرة البروليتاريا الطيبين، والليبراليون احتلوا دولا ووجهوا إليها آلتهم العسكرية بحجة نشر الديمقراطية ونشر قيم السوق وحقوق الإنسان الغربي الطيب. وفي كل الأحوال كان يطلب من الناس أن يتجاهلوا الأخطاء التي تسببت فيها هذه النخب التي تتبنى هذه الأفكار، والأعباء التي تكبدوها بسببهم، باعتبارها ثمنا وضريبة لحتمية التاريخ. الأمر الذي سفك دم المسؤولية الأخلاقية عند مذبح الحتمية التاريخية. وحاليا يمارس الإخوان المسلمون في مصر تجربتهم الخاصة في الحكم، وبطبيعة الحال، عليهم ألا يعيدوا أخطاء من سبقوهم، وبعبارة أكثر وضوحا لا ينبغي أن يحاولوا أن يحتموا بأيدولوجيتهم الخاصة (الدين في هذه الحالة) لتبرير مواقفهم السياسية. فالانطباع الذي يسود بين الكثير من المنتمين لجماعة الإخوان أن الرئيس المصري (ابن جماعتهم) مسدد وموفق في كل اختياراته، وأن هذا التوفيق نابع من الضرورة التاريخية التي هي —من وجهة نظرهم— في صف الإخوان وممثلهم في الحكم. هذا الاستنتاج بحاجة إلى إعادة نظر؛ فلا توجد حتمية تاريخية تضمن لأي جماعة سياسية النجاح غير المشروط، حتى لو رفعت شعار الدين وتبوأت موقع الصدارة السياسية إلى حين. إن أخطر ما يتهدد تجربة حكم الجماعة ذات المرجعية الإسلامية هو أن تعتقد أن التاريخ قد وصل إلى غايته النهائية بوصولهم إلى الحكم، (تماما كما تصور بعض الماركسيين أن التاريخ قد انتهى بوصول الشيوعيين إلى الحكم في الاتحاد السوفيتي السابق، أو كما تصور بعض الليبراليين أن نهاية التاريخ قد تحققت بانفراد الولايات المتحدة بالقطبية العالمية، وربما أيضا كما تصور البعض أن تاريخ المقاومة قد انتهى في قطاع غزة بعد انفراد حركة حماس بالحكم هناك)، وألا تبذل الجهد الكافي لكي تتخطى العقبات التي تعترض تجربتها السياسية، فالمشاهد أن هناك مخططا ينفذ بعناية لإفشال تجربة وصول رئيس ذي مرجعية إسلامية إلى الحكم، ولكن في المقابل لا يشعر أحد أن جهدا مناسبا يبذل لمقاومة هذا المخطط. ويمكن القول إن نجاح الجماعة في الوصول إلى منصب الرئاسة لا يعفيها من الاستمرار في بذل الجهد لتفادي السقوط الذي لحق بالكثير من الحركات والجماعات التي لم تصمد أمام محكات التاريخ التي لا تحابي أحدا. إن أداء الإخوان ينبغي أن يبتعد عن الأيدلوجيا وأن يعتمد في المقابل على منطق الإنجازات، فالمصريون الآن يريدون أن يروا أفعالاً على الأرض ولا يعنيهم كثيرا التسويغ الأيدويولجي لها. ومن ناحية أخرى لو تصور طرف ما أن قوانين الحركة التاريخية ستكون في صفه على طول الخط فإنه يكون واهما، فلا أحد يمتلك مفاتيح للتاريخ، وما تمارسه النخب السياسية طوال الوقت هو عملية اختيار بين الممكنات الواقعية، وليس تنفيذ الضرورات التاريخية، ولهذا فإن أداء هذه النخب —بما فيها الإخوان— ينبغي أن يكون محكوما بالشورى والتواصل مع القوى الأخرى التي تريد مصلحة الوطن وتقبل بالحوار وفق مبدأ الاحترام المتبادل. وسوف تخطئ الجماعة ويخطئ أنصارها إن هم استسلموا لوهم أن أفعالهم مسددة على طول الخط، أو أنها تنفيذ للمشيئة الإلهية، أو انعكاس للحتمية التاريخية، فما زال المطلوب من الإخوان كثير، ومازال المتحقق على أيديهم، أقل من القليل.