18 سبتمبر 2025

تسجيل

البحث عن جنسيات مختلفة

08 يوليو 2023

في ظلّ الأزمة الخانقة التي تعيشها شعوبنا العربية، ما تزال أبواب السفارات الغربية، وفي أكثر من عاصمة عربية، تشبه هذه الأيام دكاكين البقّالة أيام الحرب، أو محطَّات البنزين أيام أزمة النفطّ! فالطوابير ظلت تصطف أمامها من الفجر حتى ساعة الإغلاق، كل يطلب فيزا للهروب من الوطن، ومكاتب الهجرة في عواصم الغرب، تكاد تصبح كأبواب السفارات في عواصم العَرب. فالعرب يبحثون اليوم عن جنسيات جديدة. جوازات سفر جديدة. يستبدلون بها القديم، خوفاً من أن يُصبح القديم مثل جواز السفر الروسي بعد سقوط القياصرة. هذا يريد أن يصبحُ أمريكياً، والثاني بريطانياً.. كندياً.. فرنسياً.. ألمانياً.. هولندياً.. نرويجياً.. سويدياً.. نمساوياً.. دنماركياً.. وحتى برتغالياً. وفرحة الحصول على جنسية جديدة أصبحت تعادل فرحة الحصول على حياة جديدة، مستقبل جديد، وآفاق جديدة. هكذا وصلنا مع الوطن، أو هكذا أوصلنا الوطن!!. ولا مانع لدى معظم الدول العربية، فهي تعطي الحق بجوازي سفر، فأنت لبناني في لبنان، وأمريكي في ويسكونسن، ودنْفِر، وسان خوسيه، ولوس انجليس، وأنت أردني في عمَّان، وبريطاني في مانشستر، ونيوكاسل، وليفربول، وبريستول. وأنت سوري في دمشق، وكويتي في الكويت، ومصري في مصر، وتونسي في تونس، وكندي في كيبك. والفرحة.. تكاد تُنسي الناس ماذا تعني الغربة إذا طالت، وماذا يعني أن تكون بلا وطن.. حتى لو امتلأت حقائبك بكل جوازات سفر العالم. وبعيداً عن السخرية التي تثير الدمع، فإنَّ ما يحدث هو أكبر من حجم الكارثة، والغريب أننا لا نهتم لها، ونعتبرها شيئاً طبيعياً، ولكنها إذا استمرت فقد نجد عدد العرب في أسلو أو كوبنهاغن.. في برلين أو ستوكهولم وفي أمستردام أكثر منهم في أي مدينة عربية، ونفقد ـ بالتالي ـ كل آمال وأحلام المستقبل، مع فقدان الذي يصنع المستقبل: الرجال. أطفال الغربة.. لا يعرفون العربية، بعضهم يتقن الهولندية، والآخر الفرنسية، والثالث الألمانية، والرابع السويدية، والخامس الدنماركية، وهكذا دواليك.. ولكن أحداً منهم لا يعرفُ العربية!. يُسمونهم الجيل الثاني، أو الثالث، أو حتى الرابع. هؤلاء في خلال أعوام سيحاربون مع جيوش البلدان التي اكتسبوا جنسيتها، ولا يعرفون عن الوطن إلّا ما يسمونه.. عرضاً من آبائهم وأمهاتهم. وهكذا تضيع الأوطان، وفي زمن الانهيار والهجرة القسرية!. نعد لنقول ما أحوجنا في هذه المتاهة والغربلة التي نعيش، إلى ضبط النفس أكثر فأكثر كي لا نقع في لومةِ لائم، أو حاسدٍ حاقد، وبعدها نلطم على وجوهنا، ونعاقب ما اقترفته أيدينا بدلاً من أن نطلقهما بوجه الريح، ونؤرشف لواقع مسّه الجنون، والاعتراف السائد، تماشياً مع ما نردّده اليوم: (معاهم معاهم، عليهم عليهم!). وما أحوجنا أن نحتكم إلى العقل، وإن كنا نعيش في ظل دمٍ يُراق، على أن ننشد الأمل والحرية، واللقاء بالأهل، وكل ما يربطنا بتلك الأرض الخيّرة المعطاء في كل مكان على هذه الخليقة. وما أحوجنا إلى فارسٍ صنديد، لم يسبق أن رأته العين، أو سمعت به الأذن، ليعلن خلاصنا من هذه اللعنة التي تعيشها أمتنا، وإن صعب عليه التحدّي!. وما أحوجنا إلى أن يكون التعامل الحسن، والاعتراف بالذنب، وهو فضيلة الفضائل، هو ما يربط العلاقة الوجدانية فيما بيننا، فضلاً عن اتساع صدرنا لأي قضية أو مشكلة تواجه مصيرنا، وكل ما له علاقة بالضمير والوجدان والأنا والـ نحن.