13 سبتمبر 2025
تسجيلأثارت بعض الاختبارات الوطنية، وخصوصا اختبارات العلوم والرياضيات في نهاية الأسبوع الماضي، ضجة جماهيرية اجتاح صداها كل كواليس المجتمع القطري وأروقته ومجالسه وتجمعاته الواقعية منها والافتراضية، فضجت منصات التواصل الاجتماعي برسائل الغضب والاستياء وعدم الرضا والشكاوى المرة من هذه الاختبارات ومستوياتها الدراسية من حيث الكم والكيف وأسلوب الطرح، وما تضمنته من مفاهيم غير مألوفة، ومصطلحات فضائية، وغيرها من المستعصيات اللغوية الناجمة عن عدم ألفة الأسئلة ومضامينها العلمية بالنسبة للطلبة. ولم تهدئ تلك الضجة، ولم يمضِ عليها إلا يوم واحد أو يومان، وإذا بقرار وزاري صادر عن وزير التعليم والتعليم العالي يقضي بتشكيل لجنة أكاديمية للبت في هذه الاختبارات ومراجعتها، ودراستها من أجل تحديد مصيرها من حيث الاستمرارية والتعديل والتنقيح، وتغيير المسار، أو الإلغاء النهائي. وتناولت الصحف المحلية موضوع المطالبة بإلغاء الاختبارات الوطنية . وقد أبدى الكثير من التربويين وخبراء التعليم برأيهم حول قرار الوزير، ورحبوا به، وباركوا الخطوة، وأيد الكثير منهم إلغاء هذه الاختبارات باعتبارها هاجساً وهمّاً كبيراً يؤرق مضاجع الطلبة وأولياء أمورهم، ويعكر صفو تفكيرهم كما حصل مع من سبقهم من الطلبة منذ أمد بعيد يتجاوز العشر سنوات منذ تطبيقها لأول مرة في المدارس القطرية، واعتبارها جزء أساسياً من عملية التقييم الشامل لطلبة المدارس المستقلة بكل مراحلها الدراسية الثلاث (الابتدائية، الإعدادية، والثانوية). ومن جهة أخرى، فقد اتجه البعض الآخر إلى إبقاء هذه الاختبارات باعتبارها إنجازاً لمرحلة تعليمية سابقة. وبناء عليه، ينادي متبنو هذا التوجه بالعمل على تطوير هذه الاختبارات، وتحسينها وتوفير ما أنفق وبذل في تصميمها وبنائها من مال وقت وجهد مشكور. ولذلك، فلكلى الرأيين ما يبرره، ويسنده علميا وأكاديميا وتربويا، ونفسيا. ولعل طرح الموضوع يُسهم في توجيه اللجنة المعنية بالنظر في هذه الاختبارات، وتطويرها وإخراجها في ضوء مجموعة من الاعتبارات والمعايير التربوية والنفسية والفنية الكفيلة بتحقيق اهدافها الأساسية، وخدمة العملية التعليمية، باستهداف المتعلم في المقام الأول باعتباره مرآة حقيقية صادقة تعكس مدى نجاعة هذه الاختبارات وفاعليتها في تقييم العملية التعليمية ككل، والحكم على مدى جدواها. أما فيما يتعلق بما ينبغي مراعاته عند مراجعة هذه الاختبارات وتطويرها، فهناك كما سبقت الإشارة مجموعة من الاعتبارات والمعايير التربوية والنفسية والعلمية والفنية والمبنية على خصائص المتعلم ومستواه العلمي، وقدراته العقلية، وحاجاته النفسية لضمان فهم أسئلتها وبنودها والتجاوب معها والتعمق في حلها. ولذا، فيجب أن تكون هذه الاختبارات مقننة أي صادقة بمعنى أنها تقيس ما صممت لقياسه، وتتوافق مع مستوى المتعلمين، وتتدرج في مستوى الصعوبة من السهل إلى الصعب، وتتوافق في مفاهميها ومصطلحاتها مع المستوى العلمي والثقافي للمتعلمين (ألفة المفاهيم للطلبة)، وتتناسب في حجمها مع الوقت المتاح (لا تكون طويلة جدا، ولا قصيرة جدا)، ترتبط بأهداف المنهج الدراسي المقرر، وقدرتها على تصنيف الطلبة إلى ثلاثة مستويات (ضعيف، متوسط، وقوي أو متميز). وغيرها من المعايير والاعتبارات الآنفة الذكر. وتحليلا للموقف، ومقارنة بين واقع هذا الاختبارات في زمان ومكان حدوثها، وشروط جودتها، وما ينبغي أن تكون عليه من مواصفات للحكم على نجاعتها في ضوء شروط الجودة والمواصفات المطلوبة، فلابد من التوقف عند صرخة الطلبة البريئة من صدمة هذه الاختبارات وصعوبتها، وعدم ألفة الطلبة بما ورد فيها من مفاهيم ومصطلحات علمية جديدة، فما مصدر هذه الصرخة، هل هم ضعاف الطلبة أم المتوسطين أم المتميزين؟ فيبدو أن الصرخة لم تقتصر على فئة الطلبة الضعاف، بل تعدهم لتشمل كل الطلبة بمستوياتهم الثلاثة، مما يعني عدم توافق بنود الاختبارات مع المنهج الدراسي، وهذه في الواقع سلبية تُخرج الاختبارات عن إطارها الموضوعي المبني على المنهج الدراسي وأهدافه التعليمية، وموضوعاته ومفاهيمه العلمية. فخروج الاختبارات عن مسارها وإطارها العام يُفقدها مصداقيتها، ويُسبب الصدمة والتخبط والعشوائية في التعامل مع بنودها والإجابة عليها. ومن ناحية أخرى تعمل هذه الاختبارات على زيادة التوتر والقلق الطبيعي المصاحب لمواقف وبيئات الاختبارات بشكل عام، فمن شروط الاختبارات الجيدة أن تساعد المتعلم في التحكم في درجة القلق والتوتر، وهذا شرط يبدو أنه غير متوفر في هذه الاختبارات، مما يفقدها قيمتها وجدواها في الحكم الدقيق على أداء الطلبة وتصنيفهم إلى مستوياتهم الثلاثة الآنفة الذكر. كما يعاب على هذه الاختبارات صعوبتها وعدم توافقها مع مستوى الطلبة، في مضمونها وحجمها وطولها الذي تجاوزت صفحاتها الــ 15 صفحة في حدها الأدنى وفقا لانطباع الطلبة العام. وهذا في حد ذاته يسهم في زيادة درجة القلق والتوتر عند الطلبة مما يعيقهم عن التفكير والتركيز في اختيار الإجابات الصحيحة أو تكوينها وتأليفها متى ما دعت الحاجة. وخلاصة القول، فالاختبارت الوطنية لهذا العام؛ كما يبدو قد افتقرت إلى هذه المواصفات والشروط الضامنة للجودة والموضوعية. ولذا، فتُوَجَه اللجنة المعنية نحو هذه الشروط التي لا يعتقد أنها غائبة عن أعضاء اللجنة المعنيين بتصميم وتطوير وبناء مثل هذه الاختبارات الموضوعية الشاملة. وإحقاقا للحق، وإخلاصا في التوجيه، يقترح على اللجنة المعنية أن تستفتي الجمهور القطري حول قرار إلغاء الاختبارات الوطنية نهائيا أو مراجعتها وتطويرها في ضوء معايير وشروط موضوعيتها وجودتها، وتحقيقها الأهداف التعليمية المنشودة. وما أردنا بذلك إلا الإصلاح والتوجيه ما استطعنا، والله من وراء القصد. [email protected]