16 سبتمبر 2025
تسجيلبعد 58 سنة من الزيارة "التاريخية" لوزيرة الخارجية الإسرائيلية جولدا مائير، و50 سنة على زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي في حينه ليفي أشكول إلى إفريقيا، قام رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجولته الإفريقية الأولى مع مطلع شهر مايو 2016، وهي الأولى التي يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلي منذ عام 1987، وشملت كل من نيجيريا، وكينيا، ورواندا، والسنغال، وساحل العاج، والتي كانت تستهدف إلى تحسين مكانة إسرائيل الدولية وتوظيف الحضور الإفريقي في المحافل الدولية، لإحباط أي محاولة لتمرير مشاريع قوانين تتعارض مع المصالح الإسرائيلية. وهاهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقوم بجولة إفريقية ثانية بدءا من يوم الإثنين 4يوليو الجاري، وتشمل أربع دول إفريقية من منطقة حوض النيل، هي: أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، حيث يلتقي خلالها مسؤولي سبع من الدول الإفريقية، وهم بالإضافة لزعماء الدول التي زارها، رئيس جنوب السودان، وزامبيا، ووزير خارجية تنزانيا. وتندرج زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى عدد من البلدان الإفريقية في سياق إستراتيجية واضحة ومحددة قوامها توسيع نطاق التغلغل الصهيوني في القارة الإفريقية، وتحسين مكانة الكيان الصهيوني الدولية، وتوظيف الحضور الإفريقي في المؤسسات الدولية، لاسيَّما هيئة الأمم المتحدة، لإحباط أي محاولة لتمرير مشاريع قوانين تتعارض مع المصالح الصهيونية.إضافة إلى ذلك، توثيق التعاون الأمني والاستخباري، وفتح أسواق الدول الإفريقية الواعدة، وتطوير التبادل التجاري مع الأفارقة.وللكيان الصهيوني مصالح إستراتيجية يعمل على تحقيقها في إفريقيا، ومنها: المصالح الدبلوماسية: لقد مهد تراجع المواجهة العربية مع الكيان الصهيوني على جبهات القتال المختلفة، وزيارة الرئيس السادات التاريخية للقدس في نوفمبر1977، وتوقيع اتفاقية السلام المصرية - الصهيونية في عام 1979، طريق الانفتاح مرة أخرى لتقارب الجانبين الإفريقي والصهيوني، وتحسين إلى حد كبير العلاقات الإفريقية - الصهيونية، وأنهى نظريا وعمليا بصورة متدرجة مبررات مقاطعة دول إفريقيا لدولة الكيان الصهيوني. فاتجهت معظم الدول الإفريقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية رسميا مع الكيان الصهيوني، بعد أن أزاح العرب والفلسطينيون الحرج عن إفريقيا من تقاربها مع الكيان الصهيوني. وبذلك عاد الكيان الصهيوني إلى إفريقيا، وعادت إفريقيا إلى الكيان الصهيوني، وبقوة. والحال هذه أصبحت الاعتبارات الدبلوماسية تأخذ الأولوية بالنسبة للكيان الصهيوني، من أجل توظيف ثقل تصويت الدول الإفريقية في المحافل الدولية لمصلحة إسرائيل. المصالح الأمنية: إذ يشكل تهديد الأمن القومي العربي عامة والأمن المصري خاصة، محورا إستراتيجيا في السياسة الخارجية الصهيونية، لذا دأب الكيان الصهيوني على تعزيز علاقاته الثنائية والأمنية مع دول شرق إفريقيا، لاسيَّما إثيوبيا، وكينيا، و أوغندا، وإريتريا، وجيبوتي، من أجل تحقيق هذا الهدف. وكان الكيان الصهيوني يستهدف من خلال هذا التحرك ولا يزال تحقيق السيطرة الإستراتيجية على مضيق باب المندب الذي يعتبره منفذا حيويا لتحركاته الملاحية من وإلى آسيا وإفريقيا حتى يضمن مصالحه الاقتصادية والتجارية. إضافة إلى ذلك، تستهدف الإستراتيجية الأمنية الصهيونية تهديد أمن الدول العربية المعتمدة على مياه نهر النيل وهما مصر والسودان بالدرجة الأولى، والحال هذه تمثل دول حوض النيل إحدى المصالح الأمنية الكبرى للكيان الصهيوني. فإستراتيجية الكيان الصهيوني تتمحور حول الالتفاف حول هذه الدول: إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، ورواندا، والكونغو، وإريتريا. فالكيان الصهيوني يريد تطوير العلاقات مع كينيا التي تقع على المحيط الأطلسي، بهدف الحصول على تسهيلات للقطع البحرية الإسرائيلية. أما الاستمرار في فتح سفارة إسرائيلية في إريتريا رغم أنها دولة فقيرة جدًا، فلأن نظام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي يسمح للغواصات والسفن العسكرية الصهيونية باستخدام موانئها. كما تستهدف الإستراتيجية الأمنية الصهيونية في إفريقيا تطويق ومحاصرة إيران من توظيف أنشطتها الخيرية والدينية، لاسيَّما من خلال توثيق العلاقة مع الشيعة الأفارقة، في تشكيل خلايا استخبارية تهدف إلى المس بالمصالح الصهيونية هناك. وكانت الحكومة النيجيرية قد تمكّنت، قبل عامين، من تفكيك خلايا تابعة لحزب الله بناء على معلومات حصلت عليها من إسرائيل. وفضلًا عن ذلك، وأمام بروز الحركات الإسلامية المتطرفة في أعقاب أحداث "الربيع العربي"، لاسيَّما في بلدان شمال إفريقيا، يعمل الكيان الصهيوني على بلورة حلف إسرائيلي مع بضع دول مسيحية في إفريقيا، كي تشكل حزاما من نوع ما ضد الإسلام المتصاعد في دول شمال إفريقيا، درءًا لتداعيات التغييرات الحاصلة في شمال إفريقيا على باقي الدول الإفريقية، التي تخشى من إمكانية تعزز الإسلام المتطرف، ومن تأثيره على القارة بأسرها. ويدفع الخوف من صعود الإسلام المتطرف إلى إقامة مثل هذا الحلف بين الدول الإفريقية المسيحية والكيان الصهيوني.المصالح الاقتصادية: يتزايد دور التغلغل الاقتصادي الصهيوني في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة لإفريقيا في مجال التغذية حيث تبدو فيها البلدان الإفريقية بحاجة إلى التكنولوجيا والخبرات الصهيونية، من أجل تطوير الزراعة واستغلال ثروتها الخشبية واستصلاح الري. ومن الطبيعي أن ينجم عن هذا الوضع تطوير في التبادل التجاري بين إفريقيا والكيان الصهيوني. لقد كانت دولة ساحل العاج نقطة ارتكاز في السياسة الخارجية الصهيونية من أجل النفاذ إلى باقي الدول الإفريقية، ذلك أن الرئيس الراحل هوفيه بوانيه كانت تربطه علاقات تاريخية وثيقة مع حزب العمل الإسرائيلي منذ ثلاثين سنة، ومع الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران منذ أن كان نائبا في البرلمان الفرنسي في إطار التجمع الديمقراطي الإفريقي وحليفا للشيوعيين الفرنسيين. وحاليا، تتمركز الشركات الصهيونية في أحد عشر بلدا إفريقيا هي: الكاميرون، وساحل العاج، وغانا، وكينيا، وليبريا، ومالاوي، ونيجيريا، وتنزانيا، وزائير، وزامبيا، وإثيوبيا. وتعمل معظم هذه الشركات في تطوير الزراعة والري وفي مجال الفنادق السياحية ومقاولات البناء .. إلخ.