12 سبتمبر 2025

تسجيل

اليونان .. وسيناريوهات الأزمة

08 يوليو 2015

تتعرض منطقة اليورو لأخطر أزمة منذ تأسيسها، مع دخول أزمة الديون اليونانية منعطفاً جديداً، بإعلان أثينا، أنها لن تستطيع أن تدفع الدين المستحق لصندوق النقد الدولي البالغ 1.5 مليار يورو (1.67 مليار دولار) في موعده،وهو يشكل قسطاً من خطط المساعدة المالية الضخمة، التي منحها الصندوق والاتحاد الأوروبي لليونان، ولأن ذلك يعد بمثابة إعلان غير رسمي عن الإفلاس، أو التمهيد لإعلان الإفلاس، ومن ثم بداية سيناريو كارثي بخروج اليونان من منطقة اليورو، يؤدي إلى فترة تدهور وانهيارات مصرفية تؤثر على الشركات، وفي الوقت نفسه سيكلف خروج اليونان منطقة اليورو ما يتراوح بين 350 مليارا و400 مليار دولار أمريكي ولا شك أن ذلك سيهز السوق المالية الدولية بشكل أو بآخر، كما أن مشكلة عدم تسديد الديون سترفع كلفة هذه الديون المقيمة باليورو، لأن الدولة سوف تعتمد على العملة المحلية "الدراخما "كما أن الأزمة سوف تلقي بظلالها على منحنى أسعار اليورو، لأنه في حالة الانخفاض ستكون الآثار إيجابية على دول الخليج التي تصدر النفط بالدولار وتستورد جزءا مهما من السلع والبضائع بالعملة الأوروبية، وفي هذا انعكاس إيجابي على مستويات التضخم بمنطقة الخليج، من خلال تراجع كلفة الواردات، لكنه قد يحمل تداعيات سلبية على توجه السياحة الأوروبية إلى منطقة الخليج، والتي ستتأثر بهبوط اليورو، كما أن هذه الأزمة مهما كان وضع اليونان في داخل أو خارج منطقة اليورو يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الثقة بالاتحاد الأوروبي وبآلياته وجدوى الالتحاق ببنائه والقيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها لأعضائه خصوصا من يمكن وصفهم بالحلقة الأضعف،لأنه من المفترض من منطلق التضامن القائم بين مختلف الأعضاء أن تساند المجموعة اليونان للخروج من أزمتها، وليس على مبدأ الابتزاز والضغوطات، التي تنذر بانفراط عقد الاتحاد أوتفككه على المدى المتوسط والبعيد، لأن حدثا كهذا ستكون له بالتأكيد عواقب على البناء الأوروبي برمته، خاصة أنه لوعدنا للتاريخ فإنه سبق محو 60 % من ديون ألمانيا في عام 1953 لتمكين اقتصادها من النهوض، في حين أن الاتحاد الأوروبي - وعلى رأسه ألمانيا بالذات - يرفض محو ديون أثينا ولو بشكل جزئي ومن هنا فإن بقاء اليونان داخل العملة الموحدة واستمرار خطة إنقاذ الاتحاد الأوروبي، لن يساهم فقط في دفع منطقة اليورو لتصبح اتحادا اقتصاديا وماليا أقوى في ظل تنسيق واستمرارية أفضل، وإنما سيدفع أيضاً المخاطر بعيدا وسيحقق قفزة بطيئة للأسواق المالية ومع ذلك، فمن الصعب التنبؤ بإذا ما كانت اليونان ستتعافى كليا من الكساد أم لا، ولكن تكرار أزمة اليونان مؤشر خطر خفي طويل المدى على منطقة اليورو، مما يضعها في ظل ظروف شديدة الصعوبة، قد تقودها إلى الانكماش لتصبح كتله اقتصادية أصغر، ولذلك فإن الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي لكون أن الأزمة اليونانية بها جزء سياسي كبير، خاصة بعد رفض اليونانيون الضغوط الأوروبية بقبول سياسة التقشف، التي أثرت سلباً على المستوى المعيشي للمواطنين، ومن ثم فإن الخروج من هذا المأزق أن يكون السيناريو الجديد هو عقد قمة أوروبية لمناقشة مشكلة الديون وإعطاء فرصة أخرى للتفاوض وتقديم المزيد من المقترحات التي يمكن أن تنقذ الموقف تحقيقا لمصالح أوروبا الحقيقية التي تضمن سداد الديون المستحقة على اليونان بطريقة سلسة، لا تمثل ضغوطا شديدة على اليونان، ولكن عبر خطط إنقاذ مقبولة من كل الأطراف، في إطار من المرونة التي يجب أن يبديها الدائنون، سواء من المفوضية الأوروبية أم البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، لوضع برنامج للإصلاح الاقتصادي كبديل لبرنامج التقشف، وهي خطط ممكنة وليست صعبة إذا تمت المعالجة بقناعة الأطراف بضرورة إنقاذ اليونان،وحتى لا يتعقد الوضع الاقتصادي اليوناني، ويجعل هناك صعوبة في الحصول على تمويلات جديدة من الأسواق المالية، لأن إنقاذ الاقتصاد اليوناني يعتبر في ذاته إنقاذا للقارة العجوز من مصير مجهول، ولاسيَّما أن اليونان إذا خرجت من اليورو، ستدخل نفقا مظلما من الصعب الخروج منه بسهولة، فضلا عن إمكانية امتداد شظايا أزمتها إلى دول الجوار الأوروبي بدرجات متفاوتة.