11 سبتمبر 2025
تسجيلفي مجلس القضاء تكون النفوس بها إحن وبها شحناء قد تدفع أحد الخصمين للتطاول على القاضي الذي سيحكم لأحد الطرفين قطعا، وهنا على القاضي أن يتمتع برحابة الصدر وتقدير الموقف جيدا، ومعي الآن موقفان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا فيهما في مجلس القضاء وجهل عليه أحد الخصمين، أما الموقف الأول فقد رواه البخاري عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا في شراج الحرة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك" فاستوعب النبي - صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما صلى الله عليه وسلم بأمر لهما فيه سعة قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" الآية . أما الموقف الثاني الذي معنا فيروى عن أبي سعيد قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال اعدل يا رسول الله فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل ، قال عمر بن الخطاب :دعني أضرب عنقه ، قال عليه الصلاة والسلام : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل إحدى يديه أو قال ثدييه مثل ثدي المرأة أو قال مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس ، قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه ، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم قال فنزلت فيه "ومنهم من يلمزك في الصدقات..." البخاري والنبي في الموقف الأول أراد أن يتنازل الزبير عن جزء من حقه ولكن الرجل لما اتهم النبي بالجور أحفظه واستوعب للزبير حقه. وهذا القضاء يدلنا على ما يأتي: أولا: يجوز أن يكون القاضي قريبا لأحد الخصمين، لأن الأصل في القاضي عدم الميل ولذا قال الله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)، وقال: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى). فحكم القاضي ينبغي أن يكون منزها عن مشاعر الحب والكره، فهو يزن الأمور بعقله، ويفرق بين الحق والباطل، فتحقيق العدل مهمة مقدسة. ثانيا: إن القاضي يجوز أن يحكم بالفضل، وأن يحث أحد الطرفين على التنازل عن حقه بأسلوب ضمني، كما فعل النبي مع الزبير، لكن إذا أساء الطرف الآخر الأدب، ولم يقدر هذا الفضل، فإن الحكم بالعدل هو الأولى تأديبا لمن أساء للقاضي الذي وضعه الإسلام في مهابة من الناس ليرضوا بحكمه، لأن القاضي موقع عن رب العالمين، والفصل في الحقوق ليس أمرا سهلا. والحديث موصول إن شاء الله