13 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة لأحداث لم تحصل

08 يوليو 2013

عند سخونة أحداث سياسية، وتشابك خيوط اللعبة، وظهور أكثر من لاعب فاعل، ومستتر، وبعد صافرة الحكم بتوقف اللعبة، أو نهايتها، يتسابق الدارسون الأكاديميون، والباحثون السياسيون على قراءة نتائج هذه الأحداث المفصلية والتي كان لها دور في إعادة رسم خريطة سياسية أو جغرافية لمنطقة ما، والذي يملك منهم معلومات من دوائر فاعلة في الحدث قادر على التنبؤ قبل حدوث الحدث بسيناريوهات قريبة من النتائج بمعطيات المعلومة ضمن فضاءات القدرة التحليلية، وهذا كله في إطار ثقافة عربية جل ما تفعله التعرف على الحدث، ومعايشة نتائجه، وهي غير مشاركة في صنعه، وقد تتحمل نتائجه السلبية، ولا تقطف نتائجه الإيجابية، وفي أحسن حالاتها تكون متفرجاً يندب حظه. لم أعرف فيما قرأت دارساً أو محللاً سياسياً فكّر ولو من باب الفانتازيا التحليلية السياسية أن يقترب من دراسة حدث لم يحدث بعد، وإن كان الأستاذ محمد حسنين هيكل عاد إلى قراءة التاريخ بأحداثه بمقالاته التي خرجت في كتاب يحمل عنواناً لافتاً وذا دلالة هو " زيارة جديدة للتاريخ " وقد كان موفقاً في الدخول إلى تفاصيل الحدث خاصة أنه يملك ما لا يملكه غيره من معلومات قد يكون بعضها من الصعب الحصول عليها لأي صحفي مهما بلغت درجة قربه من صُناع الحدث. قد يعتقد البعض أن القراءة لحدث لم يحدث بعد لا محاذير له، لأنه في الغالب ظني، ولكن قصدية اختيار الحدث قد يوقع دارسه في المحذور، وهذا ما أريده لي أنا لأنني لن أدور في فلك التمني، أو الافتراض، ولا في دائرة " ماذا لو؟ "، لكنني سأختار ما أريده بقصدية مسبقة لحدث لم يحدث بعد، " وربما " لن يحدث أبداً الأحداث التي لم تحدث كثيرة، سواء أكانت سياسية، أم اقتصادية أم دينية أم اجتماعية، والاختيار بين الكم الهائل المطروح يحتاج إلى روية، وإعادة النظر أكثر من مرة قبل الإعلان عنه، وهذا ما حدث معي، فمادامت القصدية موجودة فالقراءة الأولية قبل الاختيار أمر مهم، ومع ذلك لم أجد صعوبة في الاختيار، ولن أجد حرجاً في القراءة، وأرى أنه علي أن أقرأ الحدث، وعلى غيري التأويل بدلالات النص. أقرأ اليوم ما لم يحدث ذات يوم، وشغل العالم حينها بأمره، وهو إعلان دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، واقعاً جغرافياً، هذا الحلم الذي طالما سعى إليه اليهود المتدينون، ورفع شعاره السياسيون غير المتدينين، وجاءت به بروتوكولات حكمائهم، حلم عاش في مطويات الحاخامات ضمن أسرارهم السرية آلاف السنين، وهاهو يتحقق، فهل هو صحوة النائم، أم غفوة الصاحي؟ لنقرأ معطيات الدولة قبل الإعلان عنها، ومن ثم نقرأ ما حدث بعد الإعلان. الدين اليهودي هو الوحيد بين الأديان الثلاثة السماوية غير تبشيري، ولو كان تبشيرياً لاختلفت القراءة، والسبب الوحيد في ابتعاد المتعصبين من اليهود لفكرة التبشير أنهم يرون أنفسهم فوق الجميع، وكل ما قد خلق الله هو لخدمتهم، حتى الإنسان، من هنا يرون أنه من غير المعقول أن يأتي الأدنى ويدخل الدين ليصبح في عليين، لذا فقد اعتبروا أن الدين وراثي، يرثه الأحفاد عن الأجداد، وهم بالتالي لا حاجة إلى العدد الكبير للمباهاة مادام الكل من بني البشر خاضعا لإمرتهم، مسيّرا لخدمتهم. أول مسمار دُقّ في نعش الدولة هو انغلاقهم دينياً على أنفسهم بحجة التفوق العِرقي، وجعل الدين وراثياً غافلين عن الحقيقة أو متناسينها تلك التي تقول: قد تحكم العالم بعض الوقت، لكنك لن تحكم كل العالم كل الوقت. المسمار الثاني هو الاتكاء على التاريخ المنقطع، فهم حقيقة أبناء جغرافية المنطقة، وقد عاشوا حقيقة في الحجاز، واليمن، والعراق، ومصر، وبلاد الشام، كما عاشت كثير من الأمم والأديان في ذات المنطقة، لكنهم ظنوا متأكدين أن الحق إلى جانبهم في المطالبة بالأرض التي عاشوا عليها، ولو صح قولهم، وكان قابلاً لشرعية المطالبة لطالبت كل شعوب الدنيا بعوالم جغرافية سكنتها ذات يوم. المسمار الثالث هو الظن اليقيني أن حكام هذه المناطق قد أصبحوا ضمن سيطرتهم، وخاضعين لإمرتهم، ولو صح لهم ذلك، وهو قريب لهم اليوم، فإنهم غافلون عن شعوب المنطقة والتي في أسوء حالاتها سوف تدافع عما تملك، ولن ترضى بأن تُمتلك، إن منطق التاريخ يقول: إن مئات الأعوام للمسلمين في الأندلس لم تجعل من شعبها عرباً مسلمين، وأكثر من مائة عام لفرنسا في الجزائر لم يخلق من الجزائريين فرنسيين، وكم زالت دولٌ، وبقيت الشعوب.