18 سبتمبر 2025

تسجيل

الشيخ محمد الراوي رجل القرآن

08 يونيو 2020

ودع العالم الإسلامي رجل القرآن الدكتور الشيخ محمد الراوي عن عمر ناهز 89 عاماً، في عام 1438 من الهجرة السابع (7) يوم الجمعة من شهر رمضان المبارك، الموافق الثاني (2) من شهر يونيو لعام 2017 من الميلاد، وتأتي ذكراه رحمه الله وما زالت مواقفه وكلماته وصدعه بالحق المقاوم للظلم أمام الظالمين المتعجرفين حية تعيش معنا، ماثلة أمام كل حرٍّ أبيٍّ شريف، لمن يُدرك ويفقه ما يقوله ويتحدث به رحمه الله. الشيخ محمد الراوي رحمه الله عرف بالعمق والتنوع والجرأة في قول الحق، عف اللسان لا يذكر أحداً بسوء حتى مع مخالفيه، لا نقول إنه من أرض الكنانة العربية الإسلامية فحسب - أزال عنها الطاغوت الجاثم على أرضها منذ سنين-، بل هو عالم من أرض الإسلام وللإسلام، ما عرف يوماً ما الإقليمية والعنصرية والتعصب الحزبي الكريه، بل هو عالمي رباني إنساني في فكره وحركته ومنهجه ومدافع عن قضايا أمته، وعلى رأس أولوياته فلسطين والقدس الشريف. عاش رحمه الله مع القرآن وللقرآن، ودعا به وإليه على بصيرة، قال تعالى ((إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا))، ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))، ((قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ))، هكذا العلماء الربانيون يعيشون مع القرآن في حركة حياتهم إلى يوم يلقون الله تعالى، قدوتهم رسول الله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمهم الله. وقال كلمة الحق في الانقلاب الفاشي المجرم في مصر العروبة والإسلام ضد رئيسه المنتخب من الشعب ودافع عن رئيسه المعزول محمد مرسي رحمه الله، وقد مارس الانقلاب عليه رحمه الله في الفترة الأخيرة من حياته التضييق، - كعادة الطغاة المستبدين يهابون من العلماء الربانيين المؤثرين في الشعب والأمة- وخاصة وهو في ظروفه الصحية. كانت له -رحمه الله- برامج إذاعية مثل برنامجه المتألق المؤثر "حديث القرآن عن القرآن" منذ سنوات خلت، فكنتُ أسمعه من إذاعة القرآن الكريم من الرياض، وله إسهامات فكرية جامعية تدريسية خاصة في جامعة محمد بن سعود الإسلامية قضى فيها زمناً طويلاً، وجولات دعوية في غالب حواضر العالم الإسلامي، وله نصيب من المؤلفات المتميزة، وخطيب مفوّه وبصوته المميز الذي حباه الله به عن غيره. وأذكر أني حضرتُ له خطبة جمعة بجامع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم أن جاء للدوحة زيارة رحمه الله، قال الدكتور حامد المرواني بجامعة قطر سابقا يحفظه الله عن الشيخ محمد الراوي رحمه الله: "إنه كان ربانياً، يقول الحق لا يخشى في الله لومة لائم، وكان بكّاء عند تلاوة القرآن رحمه الله". وكلماته رحمه الله تهز الجبال: * "أمران لابد منهما لبقاء الإنسان وبقاء الإنسانية: الحق والعدل، إن غابا جاء الظلم والفساد والتطاول والإساءة". * "والحق أن المدنية الحديثة لا تعنى بالقيم ولا تقيم وزناً للأخلاق، وهي بهذا تستخف بالإنسان وحقيقة الإنسان كما تستخف بحياته ووجوده". * "لما تسألني يوجد بيننا واحد ظالم من الذي جعله يكون ظالماً؟ أنا لما تسألني أقول لك: الشعب الساكت". * "رصيد الأمة الحقيقي في إنسانها. الإنسان الصالح تصلح به الأمور الفاسدة. والإنسان الفاسد تفسد به الأمور الصالحة". * " أن ينتهي من حياتنا التجبر الذي وصل بنا إلى أن كل إنسان خائف من مصير معين". * " لماذا يستعبد بعضنا بعضا؟ أين مقدراتنا نحن المسلمين؟ أين تذهب؟ أين ما أعطانا الله من نعم هل نجعلها للهوى أم لنصرة دين الله؟". * " بالحكمة أن نبلغ ديننا، بتآلف أن نبلغ ديننا، بالاعتصام بحبل الله أن نبلغ ديننا، أن نُرى فيما بيننا رحماء حتى نطلب الرحمة من غيرنا". رحمك الله يا رجل القرآن الشيخ العالم العامل الرباني الداعي إلى الله بعلمه وحسن أخلاقه، الناصح لوطنه ولأمته وللإنسانية، الصادع بكلمة الحق في وجه الطغاة المستبدين والمفسدين، الكاره للظلم والظالمين ومن يركن إليهم حتى لقيت ربك سبحانه غير مبدل ولا مغير، "إن أخطأت قل لي أخطأت بميزان، أما أن يذبح الأطفال والنساء وفي كل يوم تطلع قرارات لا نفهم لها معنى وتطلع مفاهيم نُخضع الرأس لها لحساب من هذا؟ سنعود جميعاً إلى الله أرجو الله أن يعيننا على تقواه". رحمك الله أيها الشيخ الرباني الداعي بالحكمة، وأسكنك الفردوس الأعلى. "ومضة" سنظل نكتب بإذن الله عن العلماء الربانيين والدعاة المصلحين والمفكرين الراشدين والمجاهدين الصادقين ممن رحلوا عن هذه الدنيا وما زالت آثارهم تسري بيننا رحمهم الله، إنهم ركب من صُنَّاع الحياة، فدروسهم لا تنتهي. [email protected]