31 أكتوبر 2025

تسجيل

فتاب عليكم 

08 يونيو 2018

يقول الله عز وجل (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ) يقول السعدي: كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع، فحصلت المشقة لبعضهم، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به. (فَتَابَ) الله (عَلَيْكُمْ) بأن وسع لكم أمرا كان - لولا توسعته - موجبا للإثم (وَعَفَا عَنكُمْ) ما سلف من التخون.   ويقول سبحانه (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) قال ابن القيم: إن توبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها، فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة، فإنه تاب عليه أولا إذنا وتوفيقا وإلهاما، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيا قبولا وإثابة.  وانظر إلى من لم يعمل خيرا قط، ونشأ في الضلال والعدوان على الدماء البريئة، حتى أكمل المائة، فلم يتردد في التوبة بعد كل هذا ولم يصده ذلك أن يعود إلى مولاه التواب، والتزم بكلام العالم، وانْطَلق إِلَى أرض بها أُناس يعْبدون الله تعالى وترك أَرْضه؛ لأنها أرض سُوءٍ، وأَتَاهُ الموتُ في الطَّريقُ واختَصمتْ فيه المَلائكة وقال ملك حَكم بينهم: (قيسوا ما بينَ الأَرْضَينِ، فكان إلى القرية الصَّالحَةِ أقربَ بِشِبْرٍ).   وتأمل إلى الرحمات والكرامات ففي رِواية (فأَوْحَى اللَّهُ تعالَى إلى هذه أن تباعَدِي، وإلى هذه أَن تَقرَّبِي، وقَال: قِيسُوا مَا بيْنهمَا، فَوَجدُوه إِلَى هَذِهِ أقربَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ له).  إنه لكرم بالغ ومنة عظيمة أن يبادر الله بالتوبة والغفران بل ويفرح بتوبة عبده وإنابته إليه، وهو الذي ييسر أسبابها بما يظهره من العبر والآيات، حتى يسارع العبد ويعود قائلا: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، ويقول موقنا من قلبه: وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.  إن التوبة تنقل العبد من حال إلى حال، من الذنب إلى الطاعة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الكسل إلى النشاط، ومن العجز إلى الهِمَّة، ومن الغفلة إلى اليقظة، ومن الطريق الأعوج، إلى الصراط المستقيم.  إن الذي يحول بين العبد وبين التوبة هو العدو، الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير.  فاللهم تب علينا توبة ترضاها وارزقنا توبة نصوحا.