18 سبتمبر 2025
تسجيللن ننسى في قطر أبدًا أن رمضان عام 1438 للهجرة الشريفة، قام البعض من الجوار بأعمال وأفعال، أشغلونا بها عن ذكر الله وعن الصلاة والصيام والقرآن.. فقد مر الثلث الأول من شهر الرحمة والغفران، وكل من يعيش في هذا البلد يتابع ما اقترفته أياد عابثة لا ترقب فينا إلاّ ولا ذمة.انشغلنا بالليل والنهار في متابعات الأحداث التي لا يمكنك تجاهلها وإن بذلت جهدًا في التطنيش.بدأوا بأكاذيب وأراجيف وطاروا بها هنا وهناك، يصدقونها وهم يعلمون أنهم كاذبون، ومن ثم ينشرونها ويدفعون الناس دفعًا لتصديقها. فقد بلغ بهم الأمر أن تخطوا درجة الغيبة، وصولًا بكل جدارة ومهارة إلى درجة البهتان، وهو عند الله عظيم، إن كانوا يعرفون ربًا أو دينًا.عاشوا أسبوعًا على تلك الأكاذيب رغم النفي الرسمي لها، وكما في الحديث أن الكذب يهدي إلى الفجور، وهذا ما حدث. فجور عميق وفاحش في خصومتهم، لا يقوى أحد على مجاراتهم سوى من هم أفجر منهم من شياطين الإنس والجن. ولكن دومًا حبل الكذب قصير، فقد نشرت قناة سي إن إن بالأمس خبرًا عن مصادر وصفتها بالمطلعة، بأن مجموعة من “الهاكرز“ الروس هي التي اخترقت وكالة الأنباء القطرية. وكانت الشرارة الأولى للأزمة الحالية التي تعيشها المنطقة، والتي طارت بها سكاي نيوز وبقية الجوقة الإعلامية، لتحتفل بالليل والناس نيام! لكن لأنهم يدركون حقيقة الحدث المبني على الكذب، قام التحالف الخليجي الثلاثي مع بعض عرب منتفعين، بحجب كافة النوافذ الإعلامية القطرية عن شعوبهم، كيلا يرى الحقائق ويكتشف دجل وكذب حكوماتهم وأدواتهم الإعلامية، مع الاستمرار في خلق قضايا هامشية والنفخ فيها، بل وأحيانًا كثيرة، تقديم معلومات كاذبة أو هشة رخوة ضد قطر، على غرار ما كان يقوم به وزير الدعاية النازي غوبلز.. اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.النظرية لم تجد نفعًا، فقد انصدم التحالف بمدى الوعي الذي صار عند جمهور الخليج، لاسيَّما شعوب الدول الثلاث، الأمر الذي أغاظهم أكثر فأكثر، وبدأوا التنويع في أساليب الحملة الظالمة على قطر، حتى استيقظ الناس فجر العاشر من رمضان على كارثة أخرى بالخليج، والإعلان عن قطع كافة أنواع العلاقات بين الثلاثي والمعرب المنتفعين مع قطر، لتتأزم وتتعقد الأمور.الضغوط تواصلت على قطر، التي واجهتها وما تزال بكل هدوء وحكمة، دون تصعيد لافت للنظر، وبالمقابل ثار الجمهور الخليجي ومن خلفه العربي على تلك الخطوة الحمقاء غير السوية، وتحدث الكثيرون عن سوء تدبير وارتباك واضح في التحالف، لاسيَّما من جانب شعوب الدول الثلاث، الأمر الذي دفعهم مرة أخرى إلى التشدد مع شعوبهم ومنعهم من التعاطف مع قطر في كافة وسائل التواصل، وتم إصدار قوانين على وجه السرعة تجرّم كل من يبدي تعاطفًا مع الدوحة أو رأيًا يخالف توجهات التحالف، حتى وإن كان هذا التحالف على باطل بيّن، في مشهد مضحك لم نقرأ عنه سوى في الحقبة السوفيتية الشيوعية، حيث القمع الفكري والإرهاب الثقافي السياسي، مع بقايا تلك الحقبة المستمرة في كوريا الشمالية.. فما الفرق بين هذه الدول والحقبة الشيوعية أو كوريا الشمالية؟الاستعجال الذي بدأ به التحالف وظن أنه في أيام معدودات سيقطف ثمرات أعماله، ما زال هو المسيطر على كل خطواته، مع ما ينتج عن ذاك الاستعجال من أخطاء وعثرات، وتنكشف الثغرات، حتى جاءت مصيبة التسريبات لبريد السفير الإماراتي بواشنطن الإلكتروني، وتبين حجم العمل المؤامراتي ضد قطر وآخرين. ولم يكن أمام التحالف مع هذه الفضيحة سوى القيام بعمل متهور جديد يمكنه لفت الأنظار بعض الوقت، ريثما يتم معالجة التسريب والوصول إلى الجهات التي تملك المستندات، ومحاولة التقليل من خسائر تلك الفضيحة، والعمل على منع الباقة الأخرى من التسريبات التي قيل إنها تحمل الكثير من الفظائع والأسماء. فكان قرار المقاطعة والحصار.هذا القرار المتهور الذي استعدت له قطر منذ الأزمة المفتعلة عام 2014، أربك حسابات التحالف، الذي بدأ يكشر عن أنيابه الكريهة، ويتكلم بشكل علني ويبدأ بترويج اتهامات مردود عليها، تتلخص في أن قطر هي النقطة المركزية في دعم الإرهاب بالمنطقة، وتم زج حماس في المسألة، في مشهد غريب مفاجئ. فبعد أن كانت حتى قبل شهر حركة مقاومة مشروعة، تصير بين ليلة وضحاها حركة إرهابية وقطر من تدعمها، تمهيدًا لمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي طرحه شمعون بيريز قبل عشرين عاما، والذي يتحمس له الثلاثي الخليجي أكثر من غيره، في مشهد بات واضحًا لا يتحمل تأخيرًا وسرية أكثر مما مضى! وهكذا صار وما زال يتم تنويع الاتهامات والأكاذيب وهم في عجلة من أمرهم، يبتغون رؤية قطر وهي راكعة ذليلة تأتمر بأوامرهم.نراهن في قطر، حكومة وشعبًا على الوقت. فكلما طال الوقت ضاق الحصار ليس على قطر، بل على التحالف، وبدأت معه بوادر انشقاق وتفكك، فالتاريخ يحكي منذ حصار كفار قريش لبني هاشم وحتى العراق في وقتنا الحاضر، أن الحصار لا يجدي نفعًا ولا يكسر الهمم وإن جاعت البطون. فالحق منتصر والباطل زاهق لا محالة.كل الخشية أن يستمر التهور عند غلمان ومراهقي السياسة، ويتم استخدام الورقة الأخيرة تحت جنح الظلام، وفي غفلة من الناس وهم نيام، ويحدث استخدام لقوة الساعد والسلاح، حتى وإن لم تتوافق مع قوى كبيرة لها مصالحها بالمنطقة، فعلى أقل تقدير يشبعون عقد النقص عندهم عبر إحداث توترات وقلاقل ريثما يتم السيطرة على الأوضاع.لكن من حسن تدبير قطر أنها تعي هذا الأمر منذ وقت مبكر، وما التحالفات الدفاعية مع عدد من القوى إلا تحسبًا لمثل قرارات متهورة أن تُتخذ في أوقات متوترة عصيبة. والأخبار بالأمس عن شروع البرلمان التركي لتمرير قانون وبشكل سريع، يتيح المجال لتركيا إرسال قوات إلى قطر في قاعدة عسكرية تركية. تلك القوة، من بعد حفظ الله لقطر وأهلها ومن يعيش عليها، ستكون داعمة لقوات الوطن، وإن كانت صغيرة ومحدودة، لكنها كبيرة في عزم وهمة التصدي للأيادي العابثة بأمن البلاد، وإن كنا في ختام الحديث، نسأل الله أن يجنبنا دومًا شر الحروب والفتن. وكلنا يقين تام لا يتزعزع بأن المكر السيئ لا يحيقُ إلا بأهله.