12 سبتمبر 2025
تسجيلأصبح واضحا للعيان أن حقوق الإنسان ما هي إلا شعارات فارغة لم تستطع أن تصمد أمام الانتهاكات اليومية في بؤر التوتر المختلفة في العالم وفي دول تدعي الديمقراطية والعدالة والمساواة. دول عظمى كأمريكا وبريطانيا وفرنسا تفننت في غوانتنامو وسجن أبوغريب واغتصاب وقتل الأبرياء والعزل في العراق وأفغانستان وباكستان وكذلك استخدام السجون السرية في أوروبا... فرنسا على سبيل المثال انتهجت سياسة الإقصاء والتهميش وانتهاك حقوق الإنسان فيما يتعلق بحقوق أبناء المهاجرين المغاربة والأفارقة. فمظاهرات ضواحي باريس قبل سنوات واجهها "ساركوزي" بالعنف والرفض والاستهزاء والسخرية ونعت أصحابها من الشباب المغاربة بالسفلة والطائشين والفاشلين. وفي كل هذا نسيت فرنسا أن آباء وأجداد هؤلاء الشباب هم الذين حرروها من الغزو الألماني عندما كانوا يدافعون عن العلم في صفوف الجيش الفرنسي. فرنسا بسياسة الهجرة الانتقائية تعمل على إقصاء وتهميش وإبعاد المهاجرين من أراضيها، لكنها تنتقي أو بالأحرى تسرق الأدمغة والعقول التي تأتيها من الدول النامية. بلد جان جاك روسووبلد " الحرية-المساواة والأخوة" تحرم أبناءها من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين من حق المواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الاجتماعية. بريطانيا بدورها تفننت في انتهاك حقوق الإنسان بذريعة مكافحة الإرهاب والقضاء على خلايا القاعدة في أراضيها. فالمثير للدهشة والإعجاب هو أن الدول التي كانت عبر عقود من الزمن تتفنن في إعطاء دروس في الحريات الفردية وحقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والفصل بين السلطات واحترام القانون برهنت من خلال تعاملها مع قضايا ومشاكل معينة أنها تنتهك وتضرب عرض الحائط المبادئ الأساسية التي تقوم عليها حقوق الإنسان. ونتيجة هذه الانتهاكات هي التلاعب بوسائل الإعلام من خلال التضليل والتشويه والدعاية وأحسن مثال على ذلك تغطية حرب العراق. كما تجلت انتهاكات حقوق الإنسان من خلال التلاعب بالقضاء حيث إن محاكمة الصحفي تيسير علوني تعتبر وصمة عار في تاريخ القضاء الإسباني. وقد تطول القائمة إلى مئات القضايا والتجاوزات التي لم تكن تخطر ببال أحد أنها تحدث يوم ما في دول نصبت نفسها عبر التاريخ بأنها "معلمة وحامية الديمقراطية وحقوق الإنسان" في العالم. حقوق الإنسان بعد مرور أكثر من ستة عقود على الإعلان عن ميثاقها ضاعت سواء في الشمال أو في الجنوب،في الدول المسماة بالديمقراطية والمتقدمة أو تلك الدول التي ما زالت تعاني الفقر والجهل والتهميش.التطورات بعد 11 سبتمبر 2001 وإعلان الحرب على الإرهاب شكّلت منعطفا خطيرا أثرّ سلبا على حقوق الإنسان في العالم، وحتى تلك الدول القليلة التي كان ينعم الفرد فيها بهامش كبير من حرية الفكر والرأي وحرية التعبير والصحافة وما إلى ذلك ضربت عرض الحائط كل هذه القيم والمبادئ باسم الحرب على الإرهاب وراحت تتجسس حتى على المكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني وغير ذلك من خصوصيات الأفراد. ما هو الوضع في أيامنا هذه، أيام الغطرسة الأمريكية وحربها على كل من يعارض سبيلها وكذلك الحرب على الإرهاب والتدخل في تحديد برامج التعليم والتربية لدول تنعم بسيادتها واستقلالها، وإذا رجعنا إلى فلسفة حقوق الإنسان ورجعنا إلى الثورة الفرنسية تحديدا نجد أن المحور الأساسي يتعلق بترسيخ الشعور في نفسية المواطن بالتحرر من الاستبداد والعبودية والتبعية وطغيان طبقة أو فئة معينة في المجتمع على باقي الطبقات والشرائح الاجتماعية في المجتمع، وهذه الأمور مع الأسف الشديد قائمة وموجودة داخل الدول نفسها وبين الدول وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل بإمكاننا أن نضمن حقوق الإنسان لمواطني دولة مستعمرة (بفتح الميم) وهل بإمكاننا ضمان حقوق الإنسان في دولة تابعة ومسيطر عليها خارجيا من قبل دولة أو دول أو نظام دولي؟ ما يجري في فلسطين وعدة دول أخرى هذه الأيام يتنافى جملة وتفصيلا مع حقوق الإنسان. فشعوب عديدة في العالم اليوم محرومة حتى من حق العيش، فما بالك بحقوق أخرى. مبدأ حقوق الإنسان بالنسبة للدول الغربية ينتهي عندما تبدأ مصالحها. وللتاريخ، صدام حسين كان الصديق المدلل للأمريكيين في الثمانينات وأسامة بن لادن كان من الزعماء الكبار بالنسبة للمخابرات الأمريكية في حرب أفغانستان ضد النظام الشيوعي السوفييتي وكان بطلا تمجده أمريكا. فعندما تلتقي المصالح وتتقاطع كل شيء مباح وأكبر الإرهابيين والدكتاتوريين في العالم، ومن أجل مصالح تجار الحروب والأسلحة، يصبح صديق وديمقراطي ومدافع عن العدالة والحرية وحقوق الإنسان. أين هي حقوق الإنسان عندما تحكم البنتاجون في وسائل الإعلام ويوجهها حسب إرادته في حرب الخليج الثالثة وحرب الخليج الثانية حيث أصبحت قناة سي.إن.إن هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة في العالم المسموح لها بتزويد البشرية جمعاء بما تراه أخبارا وأحداثا، أين هو حق الاتصال وحق المعرفة وحق الإعلام؟ ما هو مصير حقوق الإنسان في ظل انعدام الشرعية الدولية وفي ظل سيطرة تجار الحروب والأسلحة على العلاقات والمنظمات الدولية؟ كيف يكون مستقبل حقوق الإنسان في ظل شلل شبه تام لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى عديدة؟ كيف يكون المستقبل في ظل العولمة، عولمة لا تؤمن بخصوصية الشعوب ولا بالشعوب الضعيفة والمغلوب على أمرها، عولمة همّها الوحيد هو سلطة المال والسياسة والقوة، عولمة الشركات المتعددة الجنسيات التي تسيطر على المال والأعمال والصناعات والتجارة الدولية والتي لا حدود لها ولا بلد ولا انتماء، قانونها الوحيد هو الربح. هذه الشركات المتعددة الجنسيات التي تبتز أطفال العالم وفقراء العالم في ضوء النهار من جهة وتطالب من جهة أخرى بحقوق الإنسان. أليس من حق أطفال العراق العيش؟ وكيف لنا أن نتكلم عن حقوق الإنسان في العالم وهناك شعوب محرومة من حقها حتى في الحياة؟ يبدو ببساطة أن العالم بحاجة لوقفة مع الذات ومع أخلاق الأنا وهو التحدي الكبير الذي سيواجهه مستقبلا. فالحرب على الإرهاب لا تبرّر بأي حال من الأحوال انتهاك حقوق الشعوب.والعالم اليوم وأكثر من أي وقت مضى مطالب بتحكيم العقل وإقامة حوار حضاري وتواصل صريح وشفاف وموضوعي لإعادة الشرعية الدولية لمسارها الصحيح تحت مظلة الأمم المتحدة. ولتعلم أمريكا أن مساعدتها للشعب العراقي للتخلص من صدام حسين لا يعني بأي حال من الأحوال حقها في تقرير مصير هذا الشعب كما ليس لها الحق في إدارة شؤون وأمور العراق حيث أن هذا التصرف يتنافى جملة وتفصيلا مع مبدأ الشعوب في حق تقرير مصيرها وحكم نفسها بنفسها كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948.