02 نوفمبر 2025

تسجيل

أردوغان ودروس الربيع العربي

08 يونيو 2013

ظهرت "انتفاضة تقسيم" ضد سلطة حزب العدالة والتنمية ورئيسها رجب طيب أردوغان أن تركيا ليست استثناء في العالم الإسلامي أو العالم الثالث. وقد مر النظام الديمقراطي والعلماني فيها عبر عقود عديدة بامتحانات متعددة كان يخرج منها في كل مرة وهو لم يتعلم الدرس ويعاود الكرة في امتهان إرادة الناس وحرياتهم. لقد نجح الغرب في العثور على حلول بنسبة عالية جدا لمشكلاته المتعلقة بالتنوع الإتني والديني والمذهبي والجنسي.وكان ذلك محصلة عقود وعقود من النضالات والحروب والدماء.لكن العالم الإسلامي ومنه تركيا كان يوغل في مراكمة عوامل الفتنة والتقسيم والتمييز بين فئات المجتمع الواحد والجغرافيا الواحدة. وهكذا بعد تسعين عاما من بدء تجارب الحداثة في تركيا تجد البلاد نفسها أمام انتفاضة شعبية ترفع الشعارات نفسها التي تتعلق بالحريات الأساسية للمواطن كأن عقودا من التجارب لم تكف لأخذ الدروس وإيجاد الحلول لإرساء عدالة اجتماعية واستقرار أساسه احترام الآخر. لم ينجح بعد بلد إسلامي واحد في أن يكون نموذجا في تعامل أبنائه مع بعضهم البعض على أساس أن الوطن للجميع وأن لكل حصته وحقه في الوجود والتأثير والمشاركة. وهكذا فهم رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قبل أن يغادر إلى زياراته المغاربية أن الديمقراطية هي مجرد صندوق اقتراع وحرية في التصويت وحق الأكثرية الفائزة في الحكم. في حين،وقد عكس الرئيس التركي عبدالله غول الحقيقة وإن لم يطبقها ولم يعترض على سلوكيات حزب العدالة والتنمية، هي أن الديمقراطية في جوهرها شيء آخر تماما. لقد وصل هتلر إلى السلطة في ألمانيا في انتخابات ديمقراطية وحرة.لكنه سرعان ما انقلب على هذه القيم وعمل على إنشاء الفرد الألماني وفقا لإيديولوجيا نازية تريد أن تجعل الجميع من نمط واحد.لا يختلف ذلك عن سعي الشيوعي لبناء فرد واحد يتكرر على عدد سكان المجتمع وهذه كانت من أسباب انهيارات الأنظمة التوتاليتارية في ما بعد. لقد رفع الجميع،بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، التحية لسلطة حزب العدالة والتنمية عندما اندفعت في أكبر عملية إصلاحات لتعزيز الديمقراطية وتوسيع هامش الحريات والتنمية الاقتصادية.لكن ذلك استغرق السنوات الأولى من عمر السلطة حين توقفت فجأة الإصلاحات بعد العام 2005.وقد تطورت الأمور وتفاقمت إلى الأسوأ في السنوات القليلة الماضية في اتجاهات عكست نية ورغبة حزب العدالة والتنمية في هندسة المجتمع وبناء الدولة وفقا لنمط معين يتسم بصفتين:دينية وقمعية. ذلك أن تركيا نجحت في أن تتمايز بعض الشيء عن دول العالم العربي والإسلامي في سمتيها العلمانية والديمقراطية اللتين كانتا في حاجة إلى التطوير لتدخل تركيا مصاف الدول السائرة على طريق الحداثة.غير أن رجب طيب أردوغان وفريقه انتهجا مسارا يلغي الفئات المعارضة له اجتماعيا وسياسيا وتصرف كما لو أن الديمقراطية،وفوزه الأخير بنسبة خمسين في المائة، تعطيه الحق في مصادرة هواجس وحقوق وتطلعات أكثر من نصف المجتمع الذي لم ينتخبه وهنا كان الخطأ الأكبر حيث مضى أردوغان في تجاهل مثير لمطالب هؤلاء ولو في حدّها الأدنى وانقلب وانقضّ على المكتسبات التي كان المجتمع قد راكمها على امتداد العقود الماضية وكانت في أساس بعض التقدم الذي عرفته تركيا. لقد أخطأ أردوغان عندما حاول أن يقيم نظاما دينيا على حساب المكتسبات العلمانية في مجتمع متعدد دينيا ومذهبيا.وأخطأ عندما شطب أبسط أسس الديمقراطية في خنق الحريات ولاسيَّما الصحافية حتى باتت تركيا البلد الأول في العالم في عدد الصحافيين المعتقلين. وأخطأ عندما حاول أن يقولب الفرد التركي وفقا لأيديولوجيا معينة تتدخل في الحريات الشخصية والخصوصيات وتتهكم من المدخنين والذين يتناولون الكحول وما إلى ذلك.ولم يحترم أردوغان مشاعر فئات وازنة من المجتمع في العديد من المبادرات والخطوات.ولم يختلف عن كبار المحتكرين عندما باع غالبية مؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص وفقا لمعيار القرب والمحسوبية. وإذا أضفنا معارضة أكثر من 70 في المائة من الرأي العام لتورطه في المباشر في مشكلات الشرق الأوسط ولاسيَّما في سوريا وما تركه هذا التورط من تأثيرات سلبية أمنية واقتصادية واحتقانات مذهبية وإتنية على الداخل التركي، كانت كل الأسباب تجتمع لتنفجر وتصل إلى ذروتها في الأول من يونيو الجاري في حركة تشبه كثيرا في دلالاتها ورمزيتها ومطالبها وتأثيراتها ما جرى في مصر ودول الربيع العربي. أقامت تركيا ميدان تحريرها والربيع التركي مرشح ليطول.ذلك أن مفردات أردوغان في التعامل مع المحتجين على سياساته تشبه مفردات معمر القذافي في التعامل مع شعبه في بداية الثورة الليبية.القذافي وصف شعبه بالجرذان وأردوغان وصف شعبه باللصوص والمخربين فيما كان المشاركون في انتفاضة تقسيم في إسطنبول نخبة المجتمع المدني الراقي من مثقفين وأساتذة جامعات وصحافيين ومهندسين وأطباء وطلاب جامعيين وحتى طلاب المرحلة الثانوية وفنانين وبينهم أبطال مسلسل حريم السلطان وفيلم محمد الفاتح ومهند ولميس وغيرهم ممن يعرفهم الجمهور العربي جيدا. إن التعاطي مع هؤلاء على هذا النحو المهين واتهام التحرك بأنه مؤامرة خارجية لا يدعو للتفاؤل بإمكانية إرساء ديمقراطية تحترم الآخر وتعترف بأن حماية حقوقه لها أولوية على حماية حقوق الأكثرية الفائزة. لقد دعا أردوغان سابقا حسني مبارك وزعماء دول الربيع العربي إلى الاعتبار وأخذ الدروس من التاريخ.ويبدو أن الدور قد وقع اليوم على أردوغان ليجد من يوجه له النصيحة نفسها،كما جاء في صحيفة زمان الإسلامية التي يملكها رجل الدين التركي المعروف فتح الله غولين.