19 سبتمبر 2025
تسجيلبسم الله وعلى بركة الله، ما شاء الله وسبحان الله، كلمات يكررها الرحالة الشاب علي بن طوار الكواري، تكسب البرنامج هويته، البرنامج ككل يمثل ويختصر أجندة كاملة لمشروع كبير بعيداً عن السياسة، بعيداً عن الترفيه التافه، الخالي من القيم، وبسلاسة وخفة انطلاق الريشة، وجرأة الواثق، وروح الشباب المتوثبة، رسم برنامج خطى الرحالة سياسته بكثير من التوازن المبني على رؤية عميقة شاملة متكاملة، رؤية تشكلت من القيم الأساسية لإستراتيجيات التطوير والتنمية التي اتفقت عليها واشتركت فيها كل مؤسسات ووزارات الدولة في قطر. كان نجاح البرنامج بسبب عمل الفريق المنسجم، وبسبب الوعي الذي أعد به فأعطاه سمته المميزة دون إفراط أو تفريط. وتضافرت كل العناصر فيه لتخرجه على مستوى جدير بالمتابعة، الإعداد والتقديم، الإخراج والكتابة، التصوير (تصوير المشاهد العلوية بواسطة الدرون كان ناجحا جدا)، الملابس، المونتاج رائع ومحترف، وحتى الموسيقى التي جاءت من نفس روح البرنامج. وسره أنه من السهل الممتنع، فعلى الرغم من أن أوروبا هي الجهة السياحية المعروفة للكثير من الناس، وخاصة لأهل قطر، فإن ما تم تسليط الضوء عليه في كل من تلك المدن المعروفة، كشف عن أن طيات المكان والزمان دائماً ما تحتوي على جديد جدير بأن يعرف، وكلها معاً شكلت مادة جميلة ومشوقة. اختيار مواضيع الجولات كان نتاج ذهنية خلاقة، جعلت من البرنامج موسوعة معرفية محفزة ملهمة، وطريقة تقديم المعلومة في موطنها نفسه جعل استقبالها ممتعاً ومفيداً في آن معاً. اختيار كتاب الأمير كان متوافقاً مع الهدف الذي عبر عنه الرحالة الشاب في أول حلقة، وهو محاولة سبر طريق النهضة الذي تبعته أوروبا حتى بدأت بعصر تنويرها الذي قادها إلى تطورها العلمي والاقتصادي والسياسي اليوم. الاقتباسات التي تليت من هذا الكتاب في كل حلقة عرّف به، وبالتأكيد حفّز البعض على قراءته. الأسئلة الذكية التي تم طرحها مع الضيوف للبحث عن إجابات لمواضيع مهمة، هي سمة مميزة أخرى لهذا التقديم. انتقاء الضيوف بحد ذاته عمل مدروس وفعال، فالضيف في كل مرة قادم من موضع المسؤول العارف بالمكان والأشياء، ليتمكن من تقديم شيء قيم، خاصة أن البرنامج اعتمد الاختصار غير المخل، مثل استضافته المسؤول في محمية، أو المشرف على مقلع رخام، أو المسؤولة عن معمل الخياطة لأكبر دار أزياء في باريس وأوروبا (ديور)، أو القيمة على متحف قصر آل ميديتشي في إيطاليا. الأمر الرائع الجدير بالذكر هو محافظة البرنامج على التوازن في التعامل مع الحضارة الأوروبية فهو يقدمها بكل محبة وإعجاب وتقدير، ولكنه في نفس الوقت يرصد فيها تأثير وجود الحضارة الإسلامية، وأبطالها من قادة وعلماء، في القرون السابقة بكل فخر واعتزاز، وقد أعطى كل جانب حقه دون إفراط ولا تفريط. طريقته هي ببساطة ممارسة ميدانية لاحترام الآخر وتقبله، مع المحافظة على الثقة بالنفس وبالأمة. من الملاحظ أن البرنامج تجاوز كل سلبيات وشرور التاريخ وركز تحديدا على الجمال، الفن، والإبداع، وقصص الاجتهاد والمثابرة والسعي الحثيث على النجاح والارتقاء. ليس عن جهالة بالتاريخ، بل عن وعي وإدراك بالهدف. تسامى البرنامج فوق كل تيارات البغض والعنصرية ورفض الآخر عن عمد إنه تسامٍ من أجل التغلغل إلى قلب الإنسان، إلى وجدان الناس التي تشبهنا بالإنسانية، بعيداً عن السياسة ومسالكها المظلمة. رَبّطُ البرنامج بعصر النهضة الأوروبية كان أمراً حصيفاً. وهو يكشف عن سر استمرارها وازدهارها وهو أنها حضارات استطاعت أن تقرأ المستقبل. هذا التركيز على القصص الملهمة تكاد تشكل منهجا تربويا للشباب، يمكن للأسرة أن تتحلق لحضوره بجلسة عائلية، أو يمكن استخدامه كمادة لحصص معرفية في مكتبة المدرسة. مثلاً، تحدث في فرنسا ليس عن بعض دور أزيائها العريقة وبعض أبنيتها التاريخية وساحاتها وقصورها ودروبها من ناحية جمالية وتاريخية، بل وعن المدينة الصديقة للبيئة على طرف مدينة باريس والتي كانت مكب قمامة للمدينة لغاية الثمانينات من القرن العشرين، وهو عرض مستنير محفز للقائمين على المدن في خلق حلول للمحافظة على البيئة والتقليل من الاحتباس الحراري، كانت تلك المدينة مفاجأة لجمهور المتفرجين، إذاً ليست اليابان وحدها من تقوم بالحلول المريخية للمحافظة على بيئة مدنها. تنوع البحث في المدن عن الفن بأنواعه، المعماري، الموسيقي، الرسم، والأدب، التاريخ، الطبيعة، جعله برنامجاً ثرياً بالمعلومات من دون إثارة للملل. يلفتني أحد مواقف الرحالة الشاب عندما أثار موضوع فلسطين في الخريطة الموجودة في بيت عائلة ميدتشي الإيطالية، كانت لفتة موفقة للغاية وسارت بلطف المتحضر وثقة مالك الحق. هل ترين إسرائيل هنا؟ إنها فلسطين. ما كتب في الخريطة هو فلسطين. هذا ما كتب في الخريطة القديمة في قصورهم، فلسطين وخليج العرب، قالها حقيقة علمية دون تعصب الشاب الرحالة الأنيق (علي بن طوار) هو شخص متواضع، وقد مثل فريقه خير تمثيل. ولا ننسى الدراجة الهوائية التي باتت جزءا من شخصية الرحالة الشاب. والجدير بالذكر في الختام هو الانطلاق السلس من فقرة إلى فقرة بتركيز عالٍ واختصار حقق هدف البرنامج الذي لم يتجاوز زمنه العشرين دقيقة. خبير الترجمة في إدارة الإصدارات والترجمة بوزارة الثقافة والرياضة