14 سبتمبر 2025
تسجيل* مستنكرا إضراب الصحفي عبد الله الشامي عن الطعام قال صاحبي: أي شرع يسمح بهذا الذي يمارسه الشامي، نعم ندعو الله أن يفك أسره ؛ ولكنه لو مات فسيكون منتحرا..* فقلت له.. أرجو أن تحترم هذا الأسير وعقله وتضحيته، وأن تتذكر أن مئات من العلماء ونخبة مصر يفعلون ما يفعل ؛ ثم إن الرجل إعلامي وله شهرة يستطيع بها أن يسلط الضوء على الجهة التي لا يريد العالم المنافق أن يراها من الصورة الدموية للانقلاب الغاشم، وعلى قضيته كأسير ظل تسعة أشهر – حتى الآن - من دون لائحة اتهام.. وهو يصدر رسالة لأحرار شعبه والعالم أن المبادئ أهم من الذات ومن الجسد والدم والشبع والسلامة، كأنه يقول لمن وراءه: أنا مستعد للموت من أجلكم ومن أجل حرية وطني وكرامته واستقلاله.صحيح إن إضرابه وإخوانه عن الطعام يترتب عليه مفسدة إيذائهم لأنفسهم وربما يهلكون – لا سمح الله - ولكنها أقل بكثير مما يترتب عليه من المصلحة العامة التي تشمل كل القضية الوطنية وصورة مصر الحضارة والتاريخ والثقافة وتحصين كل ما سالت دماء الثوار حتى الآن من أجله.. وأما المستند الشرعي لإضرابه عن الطعام فالقاعدة الأصولية التي تقول (تحمل أخف الضررين) وهي ذات القاعدة التي جعلت القتال رغم دمويته أهون من مضرة الفتنة في الدين ومن أجل ذلك شرعه الله (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) (والفتنة أشد من القتل) فالمسلم يضحي بذاته وحريته حماية للدين وتأمينا للأوطان وحفظا للأموال ودفاعا عن الأعراض؛ ولذلك صار جهادا شرعيا وصار الموت فيه شهادة ومنزلة.. وأما القول بأنه انتحار فغير صواب قطعا، وهو من الانشغال بالصورة عن الحقيقة، والفارق بينهما كما الفارق بين الزواج والزنا، وبين البيع والربا ؛ فالانتحار لا يعني إلا الهزيمة أمام اليأس وإلا الكفر بقدر الله. * وقال منتقدا قوما من المتدينين يلقون إفشالهم وخراب برامجهم وقلة خبراتهم على الدين ؛ قال: حدثني سياسة واقتصاد وتنمية وإعمار.. ولا تخدرني بالدين!!* فقلت له: ليس الدين بعيدا إلى هذا الحد عن الدنيا.. بلى ؛ سأحدثك عن الدين الذي يدعو للعمل والإيجابية، وعن الدين الذي يصر على أن يقوم العمل على أسباب نجاحه من الإخلاص والأمانة، وسأحدثك عن الدين الذي يأمر إتقان العمل وإحسانه، وعن الدين الذي يجلب التوفيق ويصنع الأمل والبركة، وسأحدثك عن الدين الذي رأيناه تذوب فيه حضارات فارس والروم، ويصنع حضارة نعمت بها الدنيا كلها لقرون طويلة وإليها ينسب الكثير مما نتمتع به اليوم، وسأحدثك عن الدين الذي صنع من أشتات العرب وأوباش الناس أمة تسود وتقود الدنيا. ولكني لن أحدثك عن الخرافة التي تتلفع بالدين، ولا عمن حبسوا أنفسهم في الصوامع وقام الناس على طعامهم وشرابهم، ولن أحدثك عن الكسالى المتواكلين الذين يريدون أن يأكلوا في صحاف الذهب على عطالة وبطالة منهم، ولن أحدثك عن متدينين سيئي الخلق يمارسون العلمانية بطريقة التدين المنفصل عن الواقع، ولن أحدثك عن دين شيوخ ودعاة الفتنة والزور الذين يؤلهون الطاغوت من شخص أو عائلة أو حزب أو منظمة.* وقال ممتعضا من فتوى تحريم زيارة بيت المقدس تحت حراب الاحتلال.. قال: إذا كانت الزيارة حراما فلتضع القدس إذن! وليذهب أهلها إلى الجحيم، ولتغلق متاجرهم وليعانوا شظف العيش والفقر!!* فقلت له: ليس بالضرورة أن يكون في المنع من زيارة بيت المقدس تحت حراب الاحتلال ذهاب إلى الجحيم - كما تقول - مثلما لم يكن منع القرآن للمشركين من دخول المسجد الحرام في السنة التاسعة للهجرة بعد الفتح دعوة للفقر وتكسيدا للأسواق، وأما الرزق فقد وعد الله تعالى فيه بقوله (وإن خفتم عَيْلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء).فإذا نزلنا إلى الواقع وهذا ما أظنك تنتظره ؛ فإن مما لا خلاف عليه أن الاحتلال جريمة بشعة وأن مقاومته واجبة، وأن التطبيع معه جريمة، وهنا مربط الفرس فمن يرفضون زيارة بيت المقدس هم أكثر الناس ولاء له وتضحية في سبيله، وليس رفضهم تخليا عنه ولكن لسد الذرائع أولا، ولترجيح المصلحة في عدم تسليم آخر أوراق المساومة الدبلوماسية والسياسية مع الاحتلال وهي ورقة المقاطعة ثانيا.. ولك أن تتخيل طوابير المسلمين يقفون أمام السفارات الصهيونية لنيل تأشيرات منها بدل التظاهر لقلعها في عمان والقاهرة مثلا! أليس ذلك تحقيقا للغايات الصهيونية وبابا للقبول بالاحتلال والتطبيع معه الذي تنبأ به بن جوريون في مذكراته؟ أليس في ذلك تسهيلا أن تتحول المقاومة إلى استثمارات السياحية؟ أليس ذلك سيغطي علاقات المشبوهين وطنيا والمشوهين دينيا مع الاحتلال بسلوفان بيت المقدس؟وقلت: إن كان الهمة إلى بيت المقدس حقيقة؛ وكانت الزيارات ضرورة ؛ فالضرورات تقدر بقدرها ؛ ويكفي في هذه الحالة أن يتوافد المسلمون من الدول الأجنبية والغربية المفتوحة على العدو لتتحقق المصلحة وتمتنع المفسدة.. فلهؤلاء توجه الفتوى إذن. * وليس آخر للقول: فالمناقشات لا تنتهي.