18 سبتمبر 2025

تسجيل

صورة تركيا لدى العرب: النموذج والتحديات

08 مايو 2011

لم ينقطع الحديث منذ عدة سنوات عن صورة تركيا لدى العرب واحتل ما يسمى بـ "النموذج التركي" قائمة النقاشات التي كثرت في الآونة الأخيرة ومنها ورشة عمل حول العلاقات العربية التركية عقدت في بيروت مطلع الأسبوع الحالي بمشاركة نخبة من المثقفين والباحثين الأتراك. وقد كان لكاتب هذه السطور مطالعة حول النموذج التركي والتحديات التي يواجهها. وقد سجلتُ الملاحظات التالية: 1- أن الأتراك يرفضون أن يطرحوا أنفسهم نموذجا، ويرون أنه فقط يمكن استلهام بعض جوانبه كما استلهم الأتراك "الأشياء الجميلة" من تجارب غيرهم في عملية التحديث السياسي والتنمية الاقتصادية. 2- لا يمكن استنساخ أي نموذج من بلد لآخر مهما تشابهت الظروف والشروط فلكل بلد خصوصياته التي تنتج نموذجه الخاص به. 3- أن النموذج التركي نفسه لم يكتمل بعد وأمامه تحديات وصعوبات كثيرة ولاسيما فيما يتعلق بالمسألة الاثنية والمذهبية واتخاذ النموذج التركي مثالا قد يكون مؤذيا للنموذج التركي نفسه وعائقا أمام استكمال تجربته. 4- أن مقاربة صورة تركيا لدى العرب لم يقابلها،ما خلا حالات محدودة، بالاهتمام نفسه مقاربة صورة العرب لدى الأتراك. وبدا أن العلاقة العربية التركية هي علاقة "حب من طرف واحد". حيث إن 39 في المئة من الأتراك ينظرون بشكل سلبي إلى العرب مقابل 33 في المئة ينظرون إليهم بصورة إيجابية.أيضا أن الاهتمام العربي بالدراما التركية ودبلجة عشرات المسلسلات التركية إلى العربية لم يقابلها دبلجة أي مسلسل عربي إلى التركية علما أن المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية لا تعبر عن واقع المجتمع التركي بل تسيء إليه أحيانا كثيرة. 4- الحديث العربي عن النموذج التركي يلامس أكثر ما يلامس بعده المتصل بالعلاقة بين الإسلام والديمقراطية وبين الإسلام والعلمانية. وهنا نسجل خلطا لا يؤخذ في الاعتبار وهو أن النموذج التركي ليس نموذجا يجمع بين الإسلام والديمقراطية ولا بين الإسلام والعلمانية.فحزب العدالة والتنمية حزب محافظ ديمقراطي وليس حزبا إسلاميا لا في منطلقاته ولا في مشاريعه ولا في سلوكياته العامة. انه حزب المشاريع لا الشعارات وحزب البدائل لا الايديولوجيا.مرجعيته دفتر الشروط الأوروبية لا الشريعة الإسلامية بما في ذلك زاوية النظر إلى مسألة الحجاب كخيار شخصي لا كفرض ديني. ولقد أكثر قادة بعض الحركات الإسلامية ولاسيما الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وتونس القول إنهم سيطبقون النموذج التركي في لو وصلوا إلى السلطة. لكن السؤال الذي يطرح على قادة الحركات الإسلامية العربية:هل هم مستعدون ليخرجوا من كونهم أحزابا دينية وأن يكونوا مجرد مسلمين في أحزاب ديمقراطية وعلمانية تحترم الهوية الدينية كما هو حال حزب العدالة والتنمية؟ إذا كان الجواب بنعم فنحن أمام ثورة في مسيرة الحركات الإسلامية في العالم العربي.لكن من المفيد أن نسمع الجواب من فم هؤلاء القادة أنفسهم ليبنى على الشيء مقتضاه وفيما يتعلق بصورة تركيا في المنطقة العربية يجدر التوقف عند بعض التحديات التي تواجه هذه الصورة في المرحلة المقبلة. من هذه التحديات إحساس تركيا بوجود فائض قوة لديها وفائض ثقة بالنفس.وهو ما يدفعها أحيانا للتصدي لملفات أكبر من قدرة دبلوماسيتها ومن قدرتها الفعلية على القيام بها. وأعتقد أن الإحساس بفائض القوة هذا أوقع تركيا في ارتباكات بل إخفاقات في أكثر من ملف من ليبيا والبحرين إلى مصر وسوريا. ايضا فائض القوة هذا جعل تركيا أحيانا تمارس سياسة اللعب على توازنات القوة بين الدول العربية كما داخل كل دولة ما اعتبر أحيانا بأنه تدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.وهو ما قد تكون له آثار سلبية على صورة تركيا ودورها في المنطقة العربية. حيث عادت مثلا مفردات "الاحتلال العثماني" في الكتب المدرسية في العراق للمرة الأولى في العام الدراسي 2001 وعادت مفردات "الاستعمار العثماني التركي" على لسان صحافيين كبارا في سوريا. لا تزال صورة تركيا لدى الشارع العربي قوية وإيجابية. لكن التحديات الجديدة تفرض على قادة تركيا جهدا استثنائيا وسلوكا أكثر واقعيا للحفاظ على هذه الصورة إن لم يكن تعزيزها، وأثق تماما أن حزب العدالة والتنمية الذي قام بثورة صامتة في أصعب الظروف سيكون قادرا على استخلاص الدروس وتعزيز الشراكات الإقليمية مع كل العرب والمسلمين.