18 سبتمبر 2025
تسجيلجاء تحرك المصرف المركزي في الآونة الأخيرة ليلبي مطالب الخبراء والمتابعين والجمهور. فثبات أسعار الفائدة على ما هي عليه قبل وخلال وبعد سنوات الأزمة المالية لم يكن مبررا في ظروف مالية صعبة ومعدلات تضخم تتراجع وفي ظل تراجع قيم الأصول العقارية والأسهم وتراجع التدفقات النقدية وإمكانات الأفراد والشركات على الوفاء. مما أعطى الانطباع أن المصرف المركزي بعيد عن المتغيرات في الأسواق والقطاع المالي. فالمصارف والشركات والأفراد عانوا من الأزمة المالية. حيث تراجعت قيمة المحافظ العقارات والأسهم وقيمة الإيجارات لدى المصارف. مما حدا بالدولة للتدخل لدعم القطاع المصرفي من خلال ثلاث خطوات. رأس المال ومحفظة العقارات ومحفظة الأسهم، ولكن ظل الأفراد يعانون من أسعار الفائدة التي ظلت على حالها خلال السنوات الماضية مع تراجع أسعار الفائدة في العالم وعلى الدولار بشكل خاص لارتباط الريال به، ويأتي خفض أسعار الفائدة الأخير ليوفر على الأفراد والقطاع الخاص جزءا لا بأس به من الأقساط الشهرية. وفي بعض القروض قد يصل الوفر إلى 30 أو 40 في المائة من قيمة الأقساط الشهرية في حال استطاع الأفراد والشركات من إعادة هيكلة الديون بدفع الديون القائمة والحصول على قروض بأسعار الفائدة المخفضة. وبما أن المصرف قد أقدم على خفض أسعار الفائدة فلابد أن يحرص على ألا تمنع المصارف المقترضين من إعادة هيكلة ديونهم، وعدم استغلال المصارف هذه الفرصة ويحمّلوا المقترضين عمولات ورسوم كما يحلوا لهم، وكان التعميم سيكون مكتملا لو أن التعميم وضع حدودا وهوامش لفرض العمولات والرسوم من قبل المصارف، وما هي الحالات التي يمكن للمصارف من فرض رسوم وعمولات عليها. ولكن في الوقت الحالي ليس هناك رادع للمصارف من تحميل المقترضين وكيف ما شاءوا عمولات ورسوم هم من يقوموا بتحديدها ودون أي مساءلة أو رقابه من قبل المصرف المركزي. أو أي جهة أخرى لحماية المستهلك. مما قد يلغي الهدف من وراء خفض أسعار الفائدة وهو التخفيف عن كاهل المقترضين من أفراد ومؤسسات. هذه المرة جاء التعميم واضحا في كيفية حساب الفوائد. ولم يترك للمصارف هامش للمناورة على حساب الجمهور بل حدد سقف تلتزم به الجهات المعنية. وكان الأجدر أن يترك المصرف المركزي للمصارف هامش أكبر. ولكن علمتنا التجربة مع المصارف المحلية أنها ستستغل ذلك لإثقال كاهل المستهلك بهوامش لا التزام فيها بأي معيار. وبعقود إذعان لا تسمح للمستهلك بأبسط الحقوق فالمصرف يحدد المهمش والعمولات والرسوم كيف يشاء ومتى شاء. ودون أدنى مراعاة لأوضاع الجمهور أو الأوضاع الاقتصادية أو المالية في الدولة. فيواجه المقترض من جانب سد منيع من قبل المصارف ومن جانب آخر تراجع في قوته الشرائية بسبب معدلات التضخم العالية، والتي لا تراعي في تحديد المرتبات معدلات التضخم، ولا تربط بشكل تحفظ على الأفراد القوة الشرائية والتي تتراجع بمقدار التضخم، فهو بين فكي رحى، التضخم يضعف قدرته الشرائية والديون والأقساط لا تتراجع. ولذلك كان لابد من تحديد المهمش وحماية الجمهور، ولكن يتبقى جانب من العملية لم يحدد وهو الرسوم والعمولات، والتي في بعض الأحيان يتم استغلالها لحد يجعل منها مضافة لأسعار الفائدة أمرا لا يطاق. هذه الرسوم والعمولات التي تجنيها المصارف حسب هواها، ودون مراعاة لأبسط حقوق المعاملة مع المقترضين، تسن من قبل المصارف ولابد للعملاء من القبول، ولذلك نطالب أن يكمل المصرف المركزي ما بدأ ويقوم بتحديد العمولات ومتى تجبى وكيفية جبايتها. فبعض المصارف أصبح مدمنا العمولات والرسوم. فأي حركة أو إجراء طلب عمولة وفي بعض الأحيان يتم تكرار العمولة مما سبق يتضح مدى الحاجة أولا لتفعيل دور إدارة حماية المستهلك في المصرف المركزي. والحاجة لهيئة مستقلة لحماية المستهلك. وفي هذا الصدد نرى أن من واجب المصرف وبالتواصل مع المصارف وضع عقود نموذجيه تحمي المقرض والمقترض ولا تدع مجالا للعشوائية في بنود عقود الاقتراض. وتنظم عمليات التمويل وتخلق بيئة تسودها الثقة والاستقرار وتزيل الضبابية والممارسات الاجحافية بحق الجمهور والأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة. خفض أسعار الفائدة هي الإجابة الأمثل على المطالبات المستمرة بإنشاء صندوق لشراء الديون المتعسرة أو للدفع بدل المقترضين أو سداد الديون المعدومة. صندوق كهذا يعني خلق منزلق أخلاقي يصعب تفسيره أو تجاوز آثاره السلبية. فقد دأبت الدولة والأجهزة الحكومية والمسؤولين والخبراء وأجهزة الإعلام على توضيح أهمية الالتزام في حال الاقتراض وعدم التبذير. والاقتراض في أوجه مقبولة بعيدة عن الاقتراض الاستهلاكي. ووضع موازنة وحساب التدفقات النقدية والخ. ثم ومن خلال صندوق كهذا وعمليا تقول الدولة إن كل من اقترض ستقوم الدولة بسداد ديونه المتعسرة. فالرسالة هنا هي أن كل من لم يقترض يخسر حيث إنه لا يحصل على المبالغ التي سيتم تغطيتها من قبل الدولة. فيكرم من لم يلتزم ويعاقب من التزم وفي هذا رسالة واضحة. المرة القادمة الكل سيقترض عسى أن تقوم الدولة بتغطية ديونه. أما في حالة خفض أسعار الفائدة فالكل مستفيد لأن من التزم يستطيع الاستفادة من خفض أسعار الفائدة. في حال الصندوق فالمستفيد الاكبر هي المصارف. فستكون قادره على استرداد كامل الديون. مع أن المصارف هي الجهة المسؤولة وعادة ما تخصص احتياطيات تغطي فيها احتمال التعسر وجرت العادة أن تكوّن المصارف ما بين 2و3 %. والمصارف هي المسؤولة عن تحديد الجدارة الائتمانية للمقترض وهي من يتحمل التبعات. وقيام الدولة بتغطية الديون المتعسرة سيكون كحزمة دعم أخرى للبنوك والتي كما سبق ذكره حصولها على ثلاث حزم دعم بعد الأزمة. وهي الآن تملك الكثير من السيولة. والآن وبعد إنشاء مركز قطر للمعلومات الائتمانية ستكون المصارف قادرة على إدارة المخاطر لديها بشكل أكبر دقة وإلمام بظروف طالبي القروض. خفض أسعار الفائدة أثار تساؤلات أكثر مما أجاب. فماذا بعد خفض أسعار الفائدة هل سيتبعه خفض آخر؟ وهل هناك مستوى لأسعار الفائدة مستهدف؟ أم هل هذا متطلب للوحدة النقدية؟ أم هل يعني هذا أن المصرف المركزي لا يرى أي تهديد من ارتفاع معدلات التضخم في المستقبل القريب؟ وهل في حال ارتفعت معدلات التضخم سيتجنب رفع أسعار الفائدة ويعتمد رفع الاحتياطي القانوني بدله؟ لأن معاودة رفع أسعار الفائدة سيربك السوق والأفراد وقد تبدو خطوة خفض أسعار الفائدة أنها جاءت ارتجاليه، ولذلك فإن اعتماد الاحتياطي القانوني سيكون الأفضل. حيث يدعم احتياطيات المصارف ويحجّم من السيولة ويضّيق على إمكانية تصاعد معدلات التضخم في المستقبل دون إقحام المقترضين في تذبذب الأسعار. أو زج السوق المحلي في حسابات غير مأمونة النتائج.