16 سبتمبر 2025

تسجيل

من يصلح للقيادة؟

08 أبريل 2021

من هو الأحق بالقيادة أو رئاسة مجال ما، سواء إدارة أم وزارة وما شابه ذلك؟ هل الأقدم في العمل، أم الأكبر سناً أم الأكثر مهارة أم الأكثر خبرة، أم الأكثر ذكاء، أم الأتقى والأصلح ديناً، أم غير ذلك من صفات؟ في هذا المقال سيكون الحديث حول القيادة ومن هو المؤهل لأن يتولى قيادة أمر الناس في مجال ما؟ لكن قبل أن نبدأ في الحديث، من المهم ملاحظة أن القيادة، إن لم تكن ممنوحة بالفطرة للمرء، فلا يعني ذلك أنها بعيدة المنال لمن يرغب أن يكون قائداً أو من يُراد له أن يكون قائداً، مع ملاحظة أن الإنسان القيادي بالفطرة، سيبقى هو الأفضل والأيسر في مسار القيادة، وليس هذا مقصد حديثنا اليوم بقدر ما هو التركيز على من هو الأفضل لأن يتولى القيادة بشكل عام، سواء على شكل رئيس وحدة، أم قسم، أم إدارة، أم شركة، وصولاً إلى المناصب القيادية الكبيرة. هناك الكثير من الصفات أو المؤشرات الدالة على أن من يتصف بها أو تظهر عليه تلك المؤشرات، هو إنسان قيادي يجب استثماره على النحو الأمثل، أو إعداده ليكون قيادياً، وإن لم يكن الشخص على دراية بذلك. إذ ها هنا يظهر دور من هم أكثر خبرة بالنفوس البشرية في اختيار القادة أو من هم مؤهلون لذلك عبر برامج ومناهج. قدوتنا في هذا المجال، رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – الذي كان على دراية وخبرة تامة بأصحابه. يعرف من هذا وذاك وتلك، ومن يصلح لهذا الأمر أو ذاك. لم يكن الصحابة عنده – صلى الله عليه وسلم – سواسية في المسائل الإدارية أو القيادية أو الحياتية بشكل عام. كان دقيقاً في اختيار أمراء السرايا وقادة المعارك مثلاً أو غير ذلك من مهام دنيوية متنوعة. كانت له رؤيته الثاقبة ونظرته البعيدة في أصحابه رضوان الله عليهم جميعا. هو بذلك - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمنا قاعدة مهمة ملخصها: ليس دوماً تكون بعض المعايير التي نتفق عليها بشأن اختيار القادة والمسؤولين مطلوبة، فلكل مهمة قائد معين. وليس بالضرورة إن نفع قائد في أمر ما، أن ينفع في مهام أخرى. وهذا يدعونا للتعرف على أهم ما يجب أن تتوفر من صفات، فيمن نريد اسناد القيادة إليهم في أمر ما. وبشكل عام، إن توفرت كل الصفات المرغوبة في شخص ما، فهذا غاية المراد، بل سيكون من النوادر، باعتبار أن 2% فقط من البشر يصلحون قادة، فيما 98% أتباع، بحسب الدراسات العلمية في مجال صناعة القادة. كيف نكتشف القادة؟ •التحدث أمام الآخرين، أول المؤشرات أو الصفات. إن القدرة على التحدث أمام الآخرين دون ارتباك أو خوف، فيما لو طُلب منه التحدث في أي زمان ومكان، ودون أن يعاني ضغوط التحضير والتخوف ورهاب مواجهة الجماهير، تعتبر من الصفات البارزة في الشخص القيادي، لأن مهارته تلك، تؤدي بالضرورة بعد قليل من الوقت وعدد من مرات التحدث إلى الجمهور، إلى ما يمكن تسميته بالإلهام والتأثير على المستمعين، وهذا لعله الهدف الأسمى من أي حديث يوجهه شخص إلى آخرين. •إن القدرة على التحدث أمام الغير دون رهبة وقلق وتوتر، هو نتيجة عنصر مهم آخر هو الثقة بالنفس، التي تُعتبر من الأساسيات في تكوين القادة، وعنصر مهم يجب أن يتحلى به أي قائد، باعتبار أن الثقة هي الأساس في المحكات والمواقف الصعبة التي تتطلب حزماً وحسماً للأمور واتخاذ قرارات صعبة، وإن لم تكن صائبة تماماً، لكن مجرد اتخاذها هو أمرٌ يُحسب له. إذ لا يكون قد أصدرها إلا ثقة بنفسه أولاً وبمن معه ثانياً. المواقف الصعبة عادة لا تتحمل التردد والتأجيل وطول انتظار. إن أغلب ما يحصل من تردد وتأجيل أمر ما، سببه على الأغلب ودون شك غياب أو فقدان قائد يقود الموقف ويحسم الأمر بقرار أو جملة قرارات. •تحمّل المسؤولية، صفة ثالثة. القادة يصدرون الأوامر ويتحملون نتائجها في الوقت نفسه. يشعر أحدهم بعظم المسؤولية وخطورة المواقف الصعبة التي تتجه الأنظار دائماً حينها إلى من يعلق الجرس، كما يُقال، فتجد القائد الحقيقي يتخذ القرار - بغض النظر عن دقته التامة أو صحته - لأن مجرد اتخاذ القرار في المواقف الصعبة، نوع من المغامرة التي عادة لا يقوم بها سوى القادة، وليس أي قادة، بل العظام تحديداً. •القائد الموهوب الحقيقي، صاحب أخلاقيات راقية تزيح جدار الخوف بينه وبين من يقودهم. معنى ذلك أنه يتصف بخلق التواضع. خُلُق الأنبياء والمرسلين. ولأنه متى زال حاجز الخوف والرهبة السلبية بين القائد ومن معه، وظهر مكانه الحب والاحترام والتقدير، فتأكد حينها أنك أمام قائد حقيقي من أولئك الذين تقرأ عنهم في كتب القيادة وكتب التاريخ. •صفات أخرى يمكنك بها تمييز القائد الحقيقي من ذاك المزيف المفروض عليك وعلى الناس أحياناً، منها: أنه يملك رؤية بعيدة وصاحب أفق واسع ورحابة صدر. لا يركن إلى الدعة والهدوء. يهتم بتجويد العمل والإبداع فيه، ويدرك قيمة العمل الجماعي. تراه يستشير هذا وذاك، الصغير والكبير، ويستفيد من خبرة وعلم كل من معه، فلعل أحدهم يكون مفتاح الإبداع معه دون أن يدري، فتكون مهمته كقائد أن يتعرف عليه ويتعاون معه لفتح مغاليق الإبداع، ليكون الاثنان سبباً في أي نجاح إن حدث. بالإضافة إلى ذلك، تجده قليل الكلام. يتجنب القيل والقال، وكثرة السؤال. يؤمن بأن قلة الكلام المصحوب بهدوء رزين، باعث على التأمل والتفكر، وبالتالي ضمان لصناعة قرار جريء واتخاذه في وقته المناسب. •أخيراً وليس آخرا.. تجد القائد الحقيقي النبيل لا ينتهز مواقف النجاح وينسبها إلى نفسه بحكم المنصب والصلاحيات والمسؤوليات، بل يشارك النجاح مع أي مساهم فيه، مهما كانت مساهمته. وفي الوقت ذاته تراه، حين يبتعد الناس حال الفشل والإخفاق، وقد انفرد بالمسؤولية. لماذا؟ لأن الخير عنده يعم، لكن الشر يخص به نفسه، وأنه المسؤول الأول عن هذا الإخفاق، عكس ما هو سائد في كثير من الأحيان. هذا هو القائد المطلوب. فإن وجدته، عض عليه بالنواجذ ولا تتخلى عنه. وإن لم يحالفك الحظ، فالبحث عنه أمر محمود ومرغوب. والسيرة النبوية عامرة بنماذج من القادة وكيفية اختيارهم للمهمات. ولكن دعوني أصل إلى خاتمة هذا الحديث، بتصحيح أو إزالة عدد من العوالق بالأذهان فيما يتعلق باختيار القادة أو المسؤولين، ونطرح هذا التساؤل: هل الكفاءة تكفي للقيادة قد يتساءل أحدكم ونحن نتحدث عن القيادة ومعاييرها، عن عامل الكفاءة وحدها، وإن كانت كافية لتولي المناصب القيادية؟ منكم من يقول نعم، ومنكم من يرى خلاف ذلك. ومحدثكم مع الرأي الثاني. إذ ليس شرطاً أن تتولى منصباً أعلى لأنك أكفأ من غيرك في مهام معينة، وأنه لولاك ما نجح الآخرون ! إن رأيت صوابية ذلك الاعتقاد، فأنت في وهم كبير. لماذا؟ لأن من يعتقد أنه السبب الأوحد في نجاحات إدارته أو قسمه أو شركته، فليعلم بأن الأمر خلاف ما يعتقد، لأنه هو إنما أشبه بترس واحد ضمن مجموعة كبيرة من التروس، التي تتعاون معاً لتحرك آلة ضخمة تسمى دولة، أو وزارة، أو شركة، أو غيرها من كيانات. ومهما كانت أهمية وحجم وموقع هذا الترس، إلا أنه لن يتحرك من تلقاء نفسه إن لم تتحرك بقية التروس وفق منظومة متناغمة للعمل. واقرأ قصة عزل الفاروق – رضي الله عنه – لأحد أكفأ القادة يومها، خالد بن الوليد، لتدرك أن الكفاءة ليست شرطاً للقيادة أو البقاء عليها.. هل العمر أو السن سبب لتولي القيادة؟ هل الموظف القديم أحق بالقيادة من آخر أحدث سناً منه في العمل؟ في مجال القيادة، العمر ليس مقياساً ولا يجب أن يكون كذلك. الأقدمية لا تعني الأفضلية، والحياة بشكل عام لا تنطبق عليها المعايير العسكرية. وتأمل قصة أبي ذر حين طلب الإمارة، وهو من أقدم الصحابة دخولاً في الإسلام، ورفض النبي - صلى الله عليه وسلم – ذلك. لكنه أعطى القيادة لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وهما أحدث تاريخاً من أبي ذر في الإسلام. هل الأتقى والأورع والأقوى إيماناً يصلح للقيادة؟ في رأيي الشخصي، هي صفات طيبة لكنها ليست كافية ومؤهلة للقيادة. لكن إن توفرت مع أخريات تحدثنا عنها سابقاً، فنعمّ هي، ولكن أن نولي أحدهم القيادة فقط لأنه تقي ورع، فهذا أمر لا يجب أن يؤخذ به، لأن تقواه وورعه إنما لنفسه. القيادة هي القدرة على توجيه الناس نحو تحقيق هدف ما، فإن كان تقياً ولا يملك قدرات التوجيه والقيادة، فما نفع تقواه للناس؟ وهذا الأمر ينطبق حتى في المؤسسات الدينية. وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟‏ فقال: أما الفاجر القوي، فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف، فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، فيُغزى مع القوي الفاجر. تلكم كانت بشكل موجز بعض صفات تؤهل المتصفين بها لتولي القيادة، والموضوع واسع متشعب لا نريد الإسهاب فيه أكثر من هذا، وقد نعود إليه مرات أخرى قادمة بإذن الله. [email protected]