31 أكتوبر 2025

تسجيل

لماذا يهاجم الرئيس الباجي الجبهة الشعبية؟

08 أبريل 2016

شن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي هجوما لاذعًا على الجبهة الشعبية في تونس، في الحوار الصحفي الذي أجرته معه الإذاعة الوطنية وراديو موزاييك وصحيفة لابراس يوم 31 مارس الماضي، حين قال: هي معارضة «لا تعترف بالعمل الإيجابي للحكومة»، وهي تكتفي بانتقاد ما هو سلبي، وهي تمارس «الإرهاب الذهني»، وهي «تخدم في الشارع لغاية في نفس يعقوب».ومن الواضح أن الرئيس التونسي لا يقصد أي معارضة سواء كانت ممثلة في البرلمان، أو لا، بل كان يقصد بالتحديد الجبهة الشعبية، التي تشكل المعارضة الرئيسية في قبة البرلمان بنحو 15 مقعدا، والتي سماها باسمها في الحوار سابق الذكر عندما قال إن الجبهة الشعبية «لا تمثل إلا جزءًا ضئيلا من الشعب التونسي». وسبق للرئيس التونسي في زيارته الأخيرة للبحرين العام الماضي أن هاجم «اليسار الاستئصالي» ما أثار حفيظة «الجبهة» التي رأت نفسها المقصودة دون غيرها.ويسود استياء عام في تونس من هذا الهجوم على المعارضة اليسارية، لاسيَّما أن الرئيس الباجي قائد السبسي هو رئيس لكل التونسيين، ومن المنطقي في مثل هذه الحالات أن يتخذ مسافة واحدة من جميع الأحزاب، سواء التي تمارس السلطة الفعلية في الوقت الحاضر، أو التي خارجها، فضلًا عن أن طبيعة النظام السياسي الذي تأسس في تونس بعد إقرار الدستور الجديد في بداية سنة 2014، هو «شبه برلماني- شبه رئاسي» حيث لا هو برلماني بالكامل ولا رئاسي بالكامل، ولكن القسم الأساسي للسلطة التنفيذية تعود فيه لرئيس الحكومة. وبالتالي، فإن تدخل رئيس الجمهورية في نقد المعارضة اليسارية بأنها معارضة هدامة، وأنها تعمل على تجييش الشارع ضد الحكومة، يزيد في شحن التجاذبات السياسية في البلاد، وإن كانت الأزمة التي تعيشها تونس اليوم، لاسيَّما في شقيها الاقتصادي والاجتماعي أولًا، والإرهاب ثانيًا، تقتضي من كافة الأطراف السياسية سلطة ومعارضة تغليب المصلحة الوطنية، من أجل مواجهة التحديات المحدقة. كما أنه من حق الجبهة الشعبية بوصفها معارضة ديمقراطية داخل قبة البرلمان أن تنتقد عمل الحكومة، وأن تمارس دورها كمعارضة بناءة المعترف به في الحياة الديمقراطية السليمة، حتى لا تتحول إلى معارضة إدارية للسلطة الحاكمة، ما يسمح بتمرير القوانين التي تنفع الحكومة وأحزابها الحاكمة دون غيرها.من الناحية السياسية والتاريخية، وفي مرحلة ما بعد الثورة، واستلام حركة النهضة السلطة في تونس بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، وتشكيلها حكومة الترويكا بقيادتها، كان قائد السبسي الذي أسس «حزب نداء تونس» حليفا إستراتيجيا للجبهة الشعبية، إذ إن هذا التحالف فرضه التقاء الأهداف والمواقف، فالطرفان كانا يعارضان «الترويكا» ويعملان على المسارعة بإسقاطها وإقامة الانتخابات التشريعية والرئاسية ويلتقيان أيضا حول التصدي لمشروع «النهضة». وتعزز هذا التحالف عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي، النائب في البرلمان، وأحد زعماء الجبهة من التيار القومي الناصري، في 25 يوليو 2013، وإن كانت الجبهة الشعبية ظلت على مدى أشهر تنكر كل إمكانية التحالف مع الجبهة السياسية، التي أعلنها الباجي قائد السبسي مؤسس «حركة نداء تونس » في 29 يناير 2013، بوصفها محاولة لتجميع القوى اليسارية والديمقراطية المشتتة، وسميت تلك الجبهة بـ«الاتحاد من أجل تونس»، التي ضمت أحزابًا ليبرالية، وأخرى اشتراكية ديمقراطية.وهكذا، تحول المشهد السياسي التونسي في صيف 2013، إلى نوع من تحالف الجبهة الشعبية بزعامة السيد حمه الهمامي، مع «الدساترة الجدد» الذين يقودهم السيد الباجي قائد السبسي زعيم حزب «نداء تونس»، بهدف إسقاط حكم الترويكا. وكانت الجبهة الشعبية تُبرر تحالفها بأن حزب «نداء تونس» لا يمثل الدساترة. غير أن الباجي قائد السبسي، كان واضحًا في إعلان هويته الدستورية و«فكره» البورقيبي قائلًا: إنه كان دستوريًا وسيظل كذلك.وفي الوقت الذي كان فيه السيد حمه الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، والرجل المتنفذ فيها، يدافع عن ولادة جبهة الإنقاذ، ويحشد الحجج التي تبرر ذلك التحالف مع «الاتحاد من أجل تونس»، لاسيَّما ضرورة بناء جبهة ديمقراطية واسعة لمواجهة حكومة الترويكا، كان اللقاء الذي جمع كلا من السيد الباجي قائد السبسي، والشيخ راشد الغنوشي، في 14 أغسطس 2013 إيذانًا بإمكانية التحالف بين أهم حزبين سياسيين في تونس خلال مرحلة ما بعد الانتخابات. وهو ما تحقق بعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في خريف سنة 2014، وتشكيل الحكومة الجديد برئاسة السيد الحبيب الصيد في مارس 2015، من خلال تحالف «حزب نداء تونس» مع «حركة النهضة» في شراكة جديدة للحكم معًا، تمسكت الجبهة الشعبية بعدائها للنهضة.وإذا كان رئس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي، الذي لا يمتلك أي مشروع سياسي جديد وطني وديمقراطي لتأسيس الجمهورية الثانية في تونس، ما بعد الثورة، بوصفه سياسيًا ينتمي إلى المدرسة البورقيبية التي تبدو عاجزة عن تقديم بديل جديد يلبي أهداف الثورة التونسية، فإن تحالفه مع «حركة النهضة» في إطار الشراكة في الحكم، أثر سلبيا في واقع المشهد السياسي في تونس. فبعد أن كان مشروع «حركة النهضة» المحدد الرئيسي في تحالف الجبهة الشعبية مع زعيم «حركة نداء تونس» الباجي قائد السبسي، ها هي «النهضة » نفسها، تصبح السبب الرئيسي في العداء المستفحل بين الرئيس الباجي والجبهة الشعبية.