02 أكتوبر 2025

تسجيل

سيطرة "الإخوان" على الأزهر ... خطيرة وغير دستورية

08 أبريل 2013

يدافع أحمد عارف المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بأن "الجماعة يحق لها الدفع بأي مرشح لمنصب رئيس جامعة الأزهر. وأنه من حق الدكتور عبد الرحمن البر (أحد أعضاء الجماعة) الترشح لمنصب رئيس جامعة الأزهر". إذا تم هذا وأصبح رئيس جامعة الأزهر إخوانيا فسوف تكون الخطوة التالية هي محاولة الإخوان الحصول على منصب شيخ الأزهر نفسه. والسيطرة على أعرق مؤسسة دينية تقليدية في مصر. أهمية الأزهر لا تحتاج إلى شرح وإفاضة. لكن ما يحتاج إلى تأكيد راهن هو الوضع والمكانة القانونية التي منحها الدستور المصري الجديد للأزهر في مادته الرابعة والتي تنص على ضرورة أخذ رأي هيئة كبار العلماء في الأزهر في الموضوعات التي قد تحتاج إلى رأي شرعي. معنى ذلك أن المكانة القانونية والدستورية للأزهر أصبحت شبيهة إلى حد ما بالمكانة القانونية والدستورية للقضاء والمحكمة الدستورية التي تُحال عليها القضايا الخلافية الكبرى. بما يستلزم ويشترط الاستقلالية التامة لهذه الهيئة عن الجهاز التنفيذي الحكومي أو أي حزب سياسي يمكن أن يصل إلى الحكم. وبالتالي فإن الإخوان المسلمين، أو السلفيين، أو أي حزب سياسي ديني في أي وقت من الأوقات يرتكب خطيئة دستورية يجب أن تكون مرفوضة بصرامة عند إظهار الرغبة في السيطرة على الأزهر أو على هيئة كبار العلماء فيه المنوطة بإعطاء الرأي والفتيا في القضايا الكبرى. إنها حالة شبيهة تماما بحالة سيطرة حزب سياسي على جهاز القضاء في الوقت نفسه الذي يسيطر فيه نفس الحزب السياسي على السياسة والبرلمان، بما يعني تعطيل مبدأ فصل السلطات وإجهاض جوهر المراقبة والمحاسبة من قبل السلطات المختلفة لبعضها البعض والحفاظ على توزيع السلطة وتوازنها. سوف يقول "الإخوان" إنهم جزء من الشعب وأن علماءهم جزء من علماء الأمة ويحق لهم أن يكونوا أعضاء في قيادة الأزهر وفي هيئة كبار العلماء فيه. وهذا صحيح من ناحية نظرية، لكنه مليء بالألغام أيضا. لو لم يتم إقحام الأزهر في "العهد الإخواني" الجديد، ومن خلال الدستور الجديد، في السياسة من خلال منحه دورا دستوريا يضعه في مرتبة الجهاز القضائي لكان منطق الإخوان في المساهمة في قيادة الأزهر وعضوية هيئة كبار العلماء معقولا. لكن في الوضع الجديد وإذا أردنا عملية دستورية نظيفة وبعيدة عن شبهات السيطرة والتوظيف السياسي فيجب أن تُحظر المناصب الأزهرية العليا على أي رجل دين له دور سياسي، كأن يكون عضوا في حزب سياسي ينحاز إليه في وقت الانتخابات، أو وجود احتمالات تسلم هذا العالم نفسه منصبا سياسيا حكوميا، أو فوزه بمقعد في البرلمان. على المدى المتوسط والطويل يمكن القول إن "الإخوان" و"السلفيين" في مصر قد خلقوا مشكلة دستورية لا يعرف أحد مآلاتها النهائية من خلال توريط الأزهر في العملية التشريعية، وتخليق هيئة كبار علماء تكون عمليا هي "الحارس الديني" على الدولة والدستور في مصر، في استنساخ ليس بعيدا عن التجربة الإيرانية. من ناحية منطقية ونظرية بحتة تتمتع هذه الهيئة بسلطة أكبر من سلطة البرلمان، إذ تستطيع رفض أي تشريع يقره النواب المنتخبون من قبل الشعب، وهي عمليا تحبط الجوهر الديمقراطي التعددي للسياسة، إذ تفترض ضمنيا أن السيطرة العامة على البرلمان والسياسة والتشريع سوف تكون من قبل قوى إسلامية، وفي حال جاءت قوى غير إسلامية فإن هيئة العلماء تكون واقفة لها بالمرصاد، ولنحاول الذهاب مع المنطق الافتراضي إلى آخر الشوط ونقول: ماذا لو أراد الشعب اختيار تيارات مدنية وعلمانية بهدف أن تقر تشريعات جديدة جدا ومخالفة لما قد تراه هيئة كبار العلماء الأزهرية؟ إلى أين ستتجه الأمور في حالة كهذه؟ وكيف سيكون الصدام آنذاك بين برلمان منتخب بشكل مباشر من قبل الشعب، وهيئة غير منتخبة تُخضع إرادة الشعب وناخبيه لما تراه هي من آراء واجتهادات. لكن تلك المعضلة برسم التأجيل الآن إزاء المعضلة الراهنة والملحة المتأتية من الشبق الإسلاموي المدهش إزاء السلطة وامتلاكها والتحكم في مفاصلها، تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا..... وأزهريا. إذا لم يتم تحييد الأزهر تشريعيا وقانونيا على الأقل لجهة تدخل الأحزاب السياسية الدينية الحالية في قيادته وآلية اتخاذه للقرارات، وعلى وجه التحديد كيفية عمل هيئة كبار العلماء وعلاقتها بالحكومة والبرلمان، فإن هذه المؤسسة الدينية العريقة سوف تتحول إلى ساحة صراع سياسي محتدم يستنزف صدقيتها وهيبتها ومكانتها التاريخية والحالية. لن يقف "السلفيون" موقف المتفرج على "الإخوان" وهم يسيطرون تدريجيا على الأزهر، بل سوف يحشدون قواهم وطاقاتهم للمنافسة والسيطرة. ولا نعرف ما هو التيار الديني الآخر الذي سوف يخرج إلى الساحة في المستقبل إلى جانب الإخوان والسلفيين كي يدخل المعركة أيضا. وفي خضم الطحن المتبادل سوف يكون الأزهر واستقلاليته ومكانته وعلماؤه هم الضحايا الأهم. لقد أقحم الأزهر عمليا، ومن خلال الدستور الجديد، كمؤسسة وعلماء، في ورطة السياسة وتجاذباتها ومؤامراتها ومساوماتها وأوساخها. وسوف يجد نفسه عاجلا أم آجلا في صدام مع هذه الشريحة أو تلك من السياسيين أو النخب أو حتى الشعب بسبب رأي فقهي هنا أو موقف سياسي هناك. وقد كان من الأفضل للأزهر وللسياسة والدين والشعب أن يبقى الأزهر بعيدا عن كل هذا، ويحتفظ بمهابة المؤسسة الدينية التي تقول "رأيا فقيها" يكون الأخذ به من قبل الناس والحكومة وغيرهم طوعا واختيارا، ولا تزعم أنها تقول "الرأي الفقهي" الحاسم، الذي يُفرض على الناس جبرا وقسرا بقوة السلطة وفرضها. في هذه الحالة يتحول الأزهر إلى أداة من أدوات السياسة والسلطة، وقد يتطور ذلك إذا ما تغولت الإسلاموية الحالية في السياسة المصرية، إلى حالة شبيهة بوضع الكنيسة والبابوية في العصور الوسطى، حين تحولت الكنيسة من مؤسسة روحانية دينية إلى سلطة جبروتية سياسية وإمبراطورية قاهرة. إقحام الدين في السياسة من خلال الأحزاب الإسلاموية يقحمنا في مرحلة بالغة الغموض قانونيا ودستوريا ومؤسساتيا ودينيا، وليس الصراع الإخواني على الأزهر سوى جانب منه. وبسبب غياب أي فكر ديني-سياسي مستنير وعميق عند كل الأحزاب الإسلاموية الراهنة فإن المسار المزايداتي هو الذي يسود، وهو المسار الذي تزايد فيه الأحزاب الإسلاموية بعضها على بعض في "تطبيق الشريعة" ودروس السياسة وتفسيراتها، وهو مسار في الغالب الأعم لا يقود إلا إلى كنسية جديدة في ديار المسلمين.