18 سبتمبر 2025

تسجيل

فعلاً ما خفي كان أعظم ..

08 مارس 2018

لم يكن في الأيام الماضية حديث يسيطر على المجالس أكثر من البرنامج الاستقصائي بالجزيرة، ما خفي أعظم، فقد أذهل الجزء الأول منه الكثيرين ممن لم يكونوا على اطلاع على تلك الأحداث في تلك السنة، سواء كانوا من جيل الثمانينات وما بعده، أو لم تكن تهمهم ما يحدث في قطر، على عكس ما اليوم حاصل. البرنامج كما تقول العامة (ضربة معلم) وجاء في وقته. إذ على الرغم من أن البرنامج جاء توثيقاً لفترة تاريخية مرت على قطر والخليج، إلا أنه دون شك ورقة ضغط سياسية بالغة التأثير في مسلسل الحصار الجائر المفروض على قطر، من رباعي متأزم يزداد تأزماً كل يوم، وكما جاء عن المشاركين بالبرنامج، أن الجزء الثاني منه سيعرض معلومات أخرى ستكون بمثابة المفاجأة.  إذن البرنامج جاء، وعلى لسان المشاركين في محاولة الانقلاب، ليكشف سوء النيات التي كانت عليها الدول الخليجية الثلاث بمعية مصر، التي لا أفهم سر تورط الأخيرة في كل مرة في منطقة، من المفترض أنها تكون أحرص العرب على استقرارها، باعتبار مصالحها المتنوعة في دول الخليج، لكن هكذا هي عقلية العسكر حين يتورطون ويورطون البلاد والعباد باستخدام عقولهم وجوارحهم في عالم السياسة، وهي التي تهيأت وتشكلت وتم إعدادها لتكون في عالم العسكرية والحرب والقتال لا غير. لقد كان واضحاً من خلال ما جاء في البرنامج على لسان المشاركين وما نقلوه من تصريحات وعبارات على ألسنة رؤوس المؤامرة في الدول الأربع، التهوين العميق من شأن قطر والنظر إليها باستصغار واستسهال شديدين، وأنها لقمة سائغة سهلة يمكن الحصول عليها في ساعة من نهار، وهذا ما دفع المتآمرين بالمشاركة الفورية في المؤامرة وعدم التردد، باعتبار أن الأمر في نطاق المفروغ منه، والنجاح حليفه دون شك. ولم يكن أحد منهم يتصور حدوث العكس، معتمدين على قوتهم العسكرية والاستخباراتية، وخصوصاً في ظل وجود دولتين عربيتين كبيرتين مثل مصر والسعودية! ولكن يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين..  وحدث ما حدث. الرباعي المتأزم واللعب بالنار   لقد ذكرنا من ذي قبل بأن الحصار الجائر المفروض على قطر الآن، إنما كان تمهيداً لانقلاب عسكري، وقدّر الله أن يحدث ما يحدث ولا تنجح خطة الرباعي المتأزم، الذي هو من لعب بالنار منذ البداية عام 96، ولقد اتضح وبما لا يدع مجالاً للشك، ومن سقطات وعثرات وأخطاء المعسكر المحاصر لقطر، أن الأزمة المفتعلة ضدها لم تكن بسبب ما أثير من مزاعم واتهامات غير منطقية وواقعية كزعم دعم "الإرهاب" أو التدخل في الشؤون الداخلية أو التحريض وغيرها من تهم ومزاعم، وأن الإكثار من عدد الادعاءات والمزاعم والتهم تلك، ما كان سوى تغطية على نقطتين رئيسيتين لا ثالث لهما في تقديري، وقد يتفق البعض معي أو لا يتفق، ويتمثلان في القرار السياسي والقرار الإعلامي على النحو الذي سأذكره بعد قليل.     دول مجلس التعاون منذ استقلالها، وآلية تسلم وتسليم الحكم معروفة وواحدة لا تتغير، فمن يتولى الحكم يبقى دون حراك إلى أن يأتيه اليقين، حتى وإن كان وجوده تفويت لكثير من المنافع والمصالح للبلاد، ولا يهمنا الآن هذا، فلكل دولة قرارها الخاص في هذا الأمر. لكن ما أحدثه سمو الأمير الوالد حفظه الله، أمير قطر السابق عام 1995، كان خروجاً على المألوف والآلية التقليدية المتبعة في دول المجلس، وهو ما لم يعجب البعض ورآه خطراً، فكان ما كان سنة 1996 من محاولة انقلاب فاشلة في قصة طويلة وتبعات أطول، هي التي يكشفها حالياً برنامج ما خفي أعظم، واستمر الأمير الوالد في كسر الروتين السياسي بالمنطقة، حين قرر التنحي عن الحكم في هدوء نادر، الأمر الذي أقلق المجلس تارة أخرى! الاستقلالية السياسية  في عشرين عاماً إذن، ومجلس التعاون الخليجي لم يغير مساره التقليدي على غالب الأصعدة، وأمسى بعض أعضائه غير قادرين على تغيير بعض ممارسات وآليات الإدارة السياسية في بلدانهم، أو توسيع هوامش الحريات الإعلامية، وأصبحت تنظر بالتالي إلى قطر نظرة عدائية، رغم أن قطر لم تصل بعدُ الى الدولة التي اكتملت فيها مؤسسات الدولة الديمقراطية، أو تعددت وتنوعت فيها مؤسسات إعلامية مستقلة تتحرك في مساحات واسعة من الحرية المنضبطة، إذ رغم ذلك كله، ينظر بعض أعضاء التعاون الخليجي إلى قطر نظرة غير مريحة، وإن كانت خافية أغلب الوقت، لكنها كشرت عن أنيابها وأخرجت ما بنفسها منذ أن تولى الأمير الشاب دفة حكم البلاد في 2013، واعتقدت أن الفرصة مواتية لإعادة قطر إلى المربع الخليجي الأول، لا تلتفت يمنة ولا يسرة، تتبع الرياض لا غيرها. وبدأت في محاولات تهميش ما تم صناعته في قطر خلال عقدين من الزمن، عبر قائمة طويلة من المزاعم والاتهامات المرسلة في أزمة سحب السفراء عام 2014، التي كانت تمهيداً لانقلاب عسكري ثان، شاء الله أن تُلغى الفكرة لسبب ما ستكشفه الأيام، عاجلاً أم آجلا.. ثم هدأت الأمور ظاهرياً، ولم تكن الشعوب قد دخلت بعد ضمن تلك الأحداث، سواء مؤثرين أو متأثرين، حتى كانت المحاولة الثالثة الأخيرة التي نعيشها، والتي لن ينساها القطريون أبداً. لاستقلالية الإعلامية     كان قد صاحب التغيير في آلية الحكم وإدارة البلاد، قيام قطر باستثمار إعلامي مشهود وناجح على مستوى العالم وتمثل في شبكة الجزيرة الإعلامية، صرح حضاري عرف العالم بسببه قطر، وساهم في رفع الحجب والغطاءات والعوازل عن العقول والألباب، ورفع درجة الوعي لدى الشارع العربي الكبير وفي زمن قياسي غير معهود بالعالم العربي، فيما أرجع الثلاثي الخليجي مع النظام المصري، شعوبهم إلى الحقبة الشيوعية ونحن نعيش عام 2018، حيث الحجب وتكميم الأفواه والتهديد بالسجن لمجرد التفاعل ضد هوى الحكومة!   الجزيرة أحدثت حراكاً أزعج مؤسسات الحكم العربية التقليدية، وتخلص الجمهور العربي من التبعية الإعلامية للإعلام الغربي، فبعد أن كان العرب يرون بكاميرات CNN حرب الخليج الأولى ضد العراق عام 90، على سبيل المثال لا الحصر، صاروا يرون الحرب الثانية عام 2003 بعيون الجزيرة، والفرق في التغطية وتوضيح الحقائق كان مهولاً أزعج الأمريكان أكثر من العرب!  خلاصة القول   كل هذا الضجيج من الثلاثي الخليجي ورابعهم عسكر مصر، سببه أولاً خروج قطر عن الوصاية والاستقلالية في بعض القرارات كما سبقتها وفعلتها عمان. وثانياً وأخيراً بسبب الهامش المعقول من الحرية الإعلامية المتمثلة في صرح الجزيرة، كما الحاصل في مجلس الأمة بالكويت. أما بقية المزاعم كحماس والإخوان وإيران والتحريض الإعلامي، فالكل بالمجلس له نصيبه من كل أو بعض تلكم الملفات، وليس في مقدور أي عضو الزعم بغير ذلك، فكل عضو يتحرك وفق مصالحه أولاً وأخيراً، ونحن في قطر لا نعيب على أحد في قرارته ولا نبغي في الوقت ذاته أن نُعاب في قراراتنا، باعتبار أن هذا هو منطق الصواب والعدل. لننتظر الجزء الثاني مما خفي أعظم، فربما نكتشف أسباباً أخرى جديدة خافية وراء هذا الحقد الخليجي المتوارث على قطر، وهذه التبعية اللامفهومة من قوة عربية كبيرة مثل مصر، وراء مراهقين خليجيين منذ عشرين عاماً، في وقت كان العرب غالبيتهم يسيرون خلف مصر، بغض النظر إن كانت بوصلة مصر يومها صحيحة أم لا، لكن القصد أن كلمتها كانت مؤثرة وكانت تقود ولا تُقاد، على عكس ما نراه اليوم.  نعتذر عن الإطالة في هذا الحديث، ولننتظر مساء الأحد القادم، لنستكمل معرفة بقية مفاجآت الرباعي المتأزم، وما أكثرها.