03 نوفمبر 2025

تسجيل

هل يكون مخرج اللبنانيين باتفاق دوحة جديد؟

08 مارس 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); رغم الأوضاع شبه المستقرة على الصعيدين الأمني والسياسي، إلا أن لبنان يعيش هذه الأيام أحلك أيامه المؤسساتية. فالدولة مفككة الأوصال، ومؤسساتها الدستورية تعيش ترهلاً لم تشهد له مثيلاً حتى في ظلّ الحرب الأهلية وهيمنة الميليشيات المسلحة على مقدراتها. ربما يعتبر البعض أن في هذا الكلام مبالغة، وأن الفراغ المؤسساتي ليس مصيبة كبيرة طالما أن "الأمور ماشية"، وتتم تسوية الأمور بالحد الأدنى المطلوب. بل إن بعض اللبنانيين بدأوا يشيرون إلى إيجابيات الفراغ الدستوري، ويشيدون بتوفير النفقات التي كانت تستهلكها بعض المؤسسات، وأن الشغور الحاصل أسهم في تجاوز التعقيدات الروتينية، والبطء الإداري، وهو كلام ربما يحمل بعض الصحة ولا ضير في اعتماده، لكن قبل ذلك يجب أن يتفق اللبنانيون على إيجاد صيغة دستورية جديدة للحكم، تمكن من خلالها مواصلة العمل وفق أصول ودستور وضوابط ومعايير جديدة. فلا يصح أن يكون شكل الحكم في لبنان قائما على ثلاث مؤسسات رئيسية، هي رئاسة الجمهورية، ومجلسا الوزراء والنواب، في حين أن سدة الرئاسة شاغرة، ومجلس الوزراء يتخذ قراراته بالتوافق والتراضي بين الوزراء دون أي سلطة حقيقية لرئيسه، ومجلس النواب عاجز عن القيام بواجبه التشريعي بعد تعذر توفير النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية.العلوم السياسية تشترط ثلاثة عناصر رئيسية لوجود الدولة، هي: شعب، وأرض، وسلطة تحكم هذا الشعب على هذه الأرض. وقد جاء لفظ السلطة مفرداً، أي يجب أن تكون هناك سلطة واحدة تحكم الشعب على مختلف الأراضي التابعة لها. فلا مكان لسُلطات (بضم السين) بصيغة الجمع، وإلا تتحول السُلطة إلى سَلطة (بفتح السين). في حين أن الواقع في لبنان يشير إلى غياب أي سُلطة فعلية، بعدما تم استبدالها بسلطات أمر واقع بديلة استثنائية. وأنا هنا لا أتحدث فقط عن شغور سدة الرئاسة وغياب رأس الدولة، بل أيضاً عن عجز الحكومة في الوصول إلى أي قرار، بعدما تسربت الكيدية إلى مجلس الوزراء، وباتت السمة الأبرز لجلساته، وصار التنافس بين الوزراء ليس في تقديم إنجازات للبنانيين، بل في نجاحهم بتعطيل عمل الوزارات الأخرى، حتى ولو انعكس ذلك سلباً على المواطنين. أما من أراد من الوزراء الإنجاز، فيحرص على أن تصب إنجازاته في رصيده الشخصي بعيداً عن رصيد الحكومة، ولو أدى ذلك لتعميق الحس الطائفي والمذهبي، كما فعل وزير الداخلية مؤخراً حين رحب باستقبال النازحين السوريين من الطائفة الآشورية الكريمة حصراً، في مقابل منع دخول أي نازح من الطوائف الأخرى، ولو كانت أوضاعهم أكثر سوءاً ومأساوية. العجز في الأداء الحكومي انتقلت عدواه إلى مجلس النواب، فلم يكف النواب التمديد لأنفسهم دون الرجوع للبنانيين الذين منحوهم وكالة تمثيلهم، بل استغلّوا هذا التمديد في تمديد إجازتهم المفتوحة، وتقاعسوا عن أداء واجبهم بانتخاب رئيس للجمهورية، وهم يقضون أوقاتهم بالتنزّه بين أروقة مجلس النواب ومكاتبه، متجنبين الدخول إلى قاعته العامة والقيام بدورهم التشريعي الذي من أجله يقبضون رواتبهم من جيوب اللبنانيين.لم يعد بمقدور اللبنانيين الادعاء أن لبنان "دولة" وهو يفتقد مقومات الدولة، وليس لهم التباهي باستقلال أرضهم وسيادة القانون عليها، في الوقت الذي يدرك الجميع أن الضامن لهذا الاستقلال والسيادة هي أطراف خارجية. ففي ظل غياب المؤسسات الدستورية تحوّل لبنان إلى مزرعة كبيرة، بل إلى مزارع، كل راع (وزير) يغني في مزرعته بمعزل عما يجري في المزرعة الأخرى. يأتي ذلك رغم تراجع الاحتقان المذهبي، والاستتباب السياسي والأمني، فالقاصي والداني يدرك أن التهدئة القائمة لم تأت نتيجة وعي القوى المتخاصمة وغيرتهم على مصلحة البلد، بل تلبية لإرادة خارجية. خطورة هذا الواقع تكمن في أن تغير مزاج الإرادة الخارجية لن تكون نتائجه كما اعتدنا في الماضي، حين كانت المؤسسات الدستورية تشكل ضمانة وصمام أمان لعدم ضياع البلد، والحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الدولة في مواجهة غياب الأمن الداخلي، واستعار الاحتقان المذهبي. وكانت هذه المؤسسات تشكل صد الدفاع الأخير التي بدونها انفرط العقد الاجتماعي بين اللبنانيين. لكن اليوم، وفي ظل الشغور في إحدى أهم المؤسسات الدستورية (الرئاسة)، وعجز وضمور دور المؤسسات الأخرى (مجلسا الوزراء والنواب)، بات لبنان في مهب الريح، ومهب رغبات القوى الإقليمية والخارجية.الخطورة تكمن في أن اضمحلال المؤسسات الدستورية بات أمراً مألوفاً ولم يعد مستهجناً، والسعي لإصلاح الوضع الراهن لا يتعدى التصريحات الإعلامية الجوفاء، دون أي جهد حقيقي يساهم في انتخاب رئيس للجمهورية، وتفعيل مجلسي الوزراء والنواب. العجز الداخلي عن إعادة تفعيل المؤسسات الدستورية، واللامبالاة الخارجية لعدم أولوية الملف اللبنانية، ربما بات يستدعي اتفاق دوحة جديدا، يعيد لملمة المؤسسات، ويمنح الدولة دورها المطلوب.