18 سبتمبر 2025
تسجيلالحديث عن العولمة لا يقتصر على التوحدية في المبادئ والاجماع على الأسس المعاصرة لأي مجتمع حديث. ولكن أيضاً يتطلب النظر من خلالها على بناء الأسس التي تسهم في تفويض المبادئ وتعزيز القيم الثقافية لمجتمع يعاصر الحداثة بينما يتمسك بالعادات الاجتماعية والتقاليد ولا يزال يتطلع للأمام وهو حبيس كينونته وعزلته المنغلقة على نفسها! ودعنا لا نقلل من أهمية الخصخصة وترسيخ الهوية الجمعية، فلربما تتضارب الفكرة بين ما هو عاطفي وما هو تنموي، أو ما هو بنيوي وما هو رجعي. وتظل هناك العوامل التي تسهم في الانتقال الزمني والنوعي للبشرية من حيث مدى التغيير والانتقال الحدثي، وذلك بحسب الطفرة أو الظاهرة التي تمر من عليه بتأثيراتها المختلفة. ولا أستطيع أن أقف عند العولمة بمفهومها الواسع والحاضن للعالم من دون أن أنظر إلى فاعليتها على المجتمعات التقليدية كمنطقة الخليج على سبيل المثال ومحاولة فهم المراحل الانتقالية للمنطقة. وما اسهامات العولمة في هذه الحال في بناء مواطن عالمي متبني الأسس الثقافية الحديثة. وهنا تكمن عدة مفارقات في تصنيف المواطن الخليجي في البدايات بحسب الأسس الثقافية التي انتقلت معه. إذ ان بناء الفرد في المنطقة يأتي منذ زمن البناء الإنساني اليدوي، ومن صنعة اليد وامتهان الحرف اليدوية والمهن البرية والبحرية، وصولاً إلى أكبر طفرة واجهت منطقة الخليج على سبيل المثال، مما سببت له فجوة ونقلة سريعة لم يستطع انسان المنطقة مواكبتها إلا عن طريق الانتقال السريع والمباشر مما أدى إلى ضياع الهوية التقليدية وامتهان ما هو مواكب للطفرة البترولية. وعلى الرغم من تلك الصدمة، واكب انسان المنطقة الانتقال بين الحرفة والمهنية والمواطنة، ولكنه ظل متمسكاً في نوستالجيا الماضي على أنها تقاليد وعادات اجتماعية، حتى ولو كان غير ممتهناً فيها، إنما تظل منها شكلية تستمر معه مواكبة مع عصره. وأعتقد من تلك الفجوة بنيت مسألة الانتقالية ما بين التقليد والحداثة على بنيوية مواطن المنطقة الجديد. ومن تلك الفجوة أيضا بني هذا المواطن أسسه التقليدية وبنى عليها تيارات الحداثة على الرغم من التصادمات التي واجهها مع الأسس الثقافية. وهنا تكمن الإشكالية في الانتقالية الحديثة بغياب مظاهرها وسماتها الفكرية والعلمية على مستوى حقوق الانسان على سبيل المثال، التفكير النقدي أو حتى التعددية الثقافية. إنما غلب على الانتقال الحديث طابع المواكبة، حيث يصعب عليه أحياناً مواجهة الاختلافات الثقافية بتنوع أسسها ومنهجياتها للتعامل مع الواقع ومواجهة قضايا الساعة بين منظوري الأسس الثقافية الجيوغرافية عندما ترتبط بالتقاليد والعادات والاجتماعية وبين منظور الأسس الحديثة والتي تجد في سماتها الثقافية التعددية الفكرية، وحرية التعبير، حوار الثقافات وغيرها. كما تظهر عقبات أخرى لا توجد لها أرضية مشتركة أو موحدة لآلية التعامل مع الواقع بمنظوريه التقليدي والمعاصر في آن واحد وتحت مظلة العولمة الوحدوية. إذ يعتمد الموضوع على القدرة في استخدام الأدوات والأساليب للوصول إلى الواقعية من دون حشر الثقافة في زاوية العنصرية، أو التسيس الثقافي. واحدى تلك العقبات تكون بسبب الخطاب الثقافي الفوقي، مما يؤدي إلى تهميش التعددية الثقافية وتمييز بعضها، ولربما يقود إلى دوامة الأسس الثقافية التقليدية المبنية على الخطاب الثقافي الانتقائي وليس على أساس التنوع الثقافي بناء على أسس العولمة التنموية الحديثة. بالتالي، تظل العولمة مفهوما واسعا، خاصة ان تركناها في مكانها العام من دون أن نفهم فاعليتها على الأسس الثقافية على المنطقة ومدى ابتعادها أو قربها من مظاهر التنمية ومدارك التعبير باختلافها، والتعددية الفكرية بتنوع ثقافاتها. العولمة تظل هيمنة سائدة ولكن لا تستطيع فهمها إلا إذا أسقطتها على الواقع الجيوغرافي بشكل تفصيلي. [email protected]