18 سبتمبر 2025
تسجيللم يظهر من قبل ولا أظن سيظهر شخص مثل فرعون موسى .. ذاك الظالم المتكبر الذي خدعته نفسه أولاً قبل أن تخدعه بطانة السوء حوله. هامان وقارون وأمثالهم، فزعم أنه الرب الأعلى. صدقه من صدقه وكذبه من كذب، وإن كان في الخفاء والسر، خشية بطشه. كان جباراً في الأرض، لا يجرؤ أحد النظر في عينيه، فضلاً عن أن يقف أمامه ويحاوره أو يجادله.. هكذا كان فرعون موسى، الذي اتبعه قومه "وما أمر فرعون برشيد. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار، وبئس الورد المورود". هابه الناس وخافوه كثيراً، لا لشيء ولكن لظلمه وتهوره وطغيانه.. لكنه مع كل ذلك وكل القوى المادية التي معه، إلا أنه في لحظة معينة من حياته تلك، ارتعب وخاف وخشي على حياته، بعد أن توارد إلى سمعه خبر غير مؤكد بعد، وقد بدأ بعض الكهنة ومفسري الأحلام بالحديث فيه وحوله. اهتز لخبر ظهور فتى من بني إسرائيل، الذي كما قال الكهنة، بأن على يديه سيكون زوال ملك فرعون. فطار عقله وطاش، فأمر بقتل كل نفس بريئة من الذكور ما إن ترى النور، كي لا يرى هو هذا القدر أو النهاية التي قال بها الكهنة. لكنه لم يدرك أو لم يكن يريد أن يدرك بأن "والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون". وقع فعلاً ما كان يتناقله الناس قبل أكثر من ثلاثين عاماً. وجاء اليوم الموعود الذي يقف موسى مع أخيه هارون أمام فرعون، وهو الملك المهيب الذي أذل البلاد والعباد حيناً من الدهر استمر طويلاً. فاهتز للموقف، وإن أراد التماسك حينها في المشهد المعروف والحوار الذي دار بينه وبين نبي الله موسى، ورؤيته للمعجزات إلى بقية القصة المعروفة. إلى أن غرق في اليم، ومعه كل من دار في فلكه وأطاعه من الأتباع أو "الفولورز" بلغة تويتر، تتبعهم لعنات الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم الدين، ثم يأتون يتخاصمون مع فرعون في نار جهنم، شأنهم شأن آخرين يتخاصمون مع قادتهم في المكان ذاته. إنك حين تتأمل تخاصم أهل النار، وتبادل الاتهامات بين من كان يدعو الآخرين إلى جهنم بشكل غير مباشر بالطبع، وبين الأتباع الذين استجابوا لأولئك طواعية، سواء علموا بالنهايات والمآلات أم لم يعلموا، إلا أن حوارهم وتخاصمهم يومئذ، لأمر مثير يجذب الانتباه ويدعو لكثير تأمّل. سيأتي الأتباع يومها وقد بدأوا يلومون القادة والزعماء والرؤساء الذين دعوهم إلى ما كانوا عليه، أفكاراً كانت أم أحزاباً وفرقاً، أو غيرها من تجمعات ورؤى ومبادئ. سيأتون يلومون قادتهم أو من قادوهم إلى ما هم عليه، ليقينهم بأنهم هم السبب فيما هم عليه من بؤس في نار جهنم، يسألونهم رغم ذلك، إن كان ما زال بيدهم حيلة أو وسيلة كما كانوا بالدنيا أصحاب صلاحيات وقدرات ونفوذ، يستطيعون بها إنقاذهم وإنقاذ أنفسهم أيضاً مما هم جميعاً فيه. ولكن لا حياة لمن تنادي، فترتفع أصواتهم ساعتئذ "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيراً ". تلك هي النتيجة النهائية الأليمة لحال من يعطل حواسه وعقله ويتبع أهواء غيره، طمعاً فيما بين أيديهم من متاع الدنيا، دون قليل تأمل لخطورة الانقياد غير الواعي المبصر وراء الغير. هذا بالنسبة للأتباع. أما المتبوعون من الزعماء والقادة والرؤساء، فربما كثرة الأتباع والانقياد الأعمى لهم، هو ما يشجعهم ويدفعهم إلى الاستمرار في نهجهم، منطلقين من وهم وغرور السيطرة وهم يرون أعداد متابعيهم تزداد، فتحدثهم نفوسهم على مزيد تجبر وتكبر، واستمرار على النهج ذاته ويزدادون غياً، حتى تكون نهايتهم أليمة هم أيضاً، حيث النتيجة النهائية هي الحسرة والندامة. ويا لها من نهاية بائسة أليمة.