17 سبتمبر 2025
تسجيلجولة جديدة من المفاوضات بين الخرطوم وقطاع الشمال التابع للحركة الشعبية في دولة جنوب السودان الخميس القادم 13 فبراير الجاري في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2046).. هذه الجولة التي سبقتها جولات فاشلة ينظر إليها بشكل مختلف هذه المرة في انتظار أن تحقق بعض التقدم في مشكلة معقدة نتج عنها اقتتال مستمر وتوتر لم تفلح اتفاقية نيفاشا (2005) التي أفضت إلى فصل جنوب السودان في يوليو (2011) في حلها. بعد الانفصال شُكّل ما عرف بقطاع الشمال في الحركة الشعبية في إشارة إلى ما تبقى في الشمال من مكونات عسكرية وسياسية من الحركة الأم؛ لكن الحكومة السودانية رفضت الارتباط العضوي سياسياً وعسكرياً لقطاع الشمال بدولة الجنوب الوليدة وهذا الرفض تسنده حجج منطقية لا خلاف حولها. وترى الخرطوم أن تنظيم قطاع الشمال يريد أن يمارس عملا سياسياً استنادا إلى قوته العسكرية وبالتالي فرض رؤاه السياسية ليس بالعمل السياسي المدني ولكن باستخدام القوة العسكرية. ما يميز هذه الجولة التي دعا لها الاتحاد الإفريقي ممثلا في رئيس جنوب إفريقيا الأسبق ثابو أمبيكي رئيس ما يسمى بالآلية رفيعة المستوى؛ أنها تجري بلقاء مباشر بين وفدي التفاوض، بينما كانت الجولات السابقة تجري عن طريق تبادل الأوراق عبر الوسيط الإفريقي، بيد أنه تجري هذه الجولة كذلك في ظل ظروف إقليمية معلومة، خاصة الانشقاق الذي أصاب الحركة الشعبية الأم في دولة جنوب السودان وما أعقب ذلك من حرب أهلية دموية ما زالت مستعرة. فقطاع الشمال يأتي هذه المرة وقد فقد الظهير القوي الذي انقسم على نفسه وبالتالي لم يعد هناك اعتبار للهدف الذي من أجله أنشأت جوبا هذا الفصيل في (الشمال) الدولة الأم، أي أنه يكاد يفتقد مبررات وجوده. قرار مجلس الأمن رقم (2046) الذي صدر في الثاني من مايو 2012 نص فيما نص بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على أن تتوقف جوبا والخرطوم عن إيواء أو دعم مجموعات متمردة ضد الدولة الأخرى، كما قرر أن تقيم حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال تعاونا كاملا مع فريق الاتحاد الإفريقي ورئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية بغية التوصل إلى تسوية تتضمن ترتيبات سياسية وأمنية متعلقة بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. لكن رئيس وفد حكومة الخرطوم قال في جولة سابقة إن الورقة التفاوضية للقطاع تضمنت (15%) فقط عن مشاكل ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بينما تتحدث بنسبة (85%) عن العلاقة بين جوبا والخرطوم. وتضمنت الورقة التفاوضية أيضا مطالبة بتكوين لجان لمعالجة ما أدعته مظالم مناطق دارفور، وشرق السودان، (السدود)، شمال السودان ومشروع الجزيرة وسط البلاد. هناك قناعة راسخة لدى الكثيرين أن ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان المحازيتين لدولة جنوب السودان آليتان مناسبتان لمواصلة تحقيق خطة الحركة الشعبية الأم لتشكيل السودان الجديد الخالي من الثقافة العربية والإسلامية، بعد فشل تحقيق ذلك في إطار السودان الموحد. والتركيز مُنصبٌ على ولاية جنوب كردفان وعلى منطقة جبال النوبة على وجه التحديد لما تتميز به من جغرافيا وعرة تلائم حرب العصابات.. تعادل المنطقة مساحة أسكتلندا، أي حوالي ثلاثين ألف ميل مربع، وهي منطقة سافانا غنية تهطل عليها أمطار صيفية غزيرة تكفي لإنتاج محاصيل زراعية مهمة خلال موسم الخريف.. المنطقة تقع، إلى حد كبير، تحت قبضة الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، وتؤكد الظروف الموضوعية والسياسية للمنطقة أنها الأقرب للسودان من جنوب السودان؛ فجوبا تريدها فقط معبراً وآلية للنيل من الخرطوم، بينما الخرطوم لا تعير المنطقة الاهتمام اللازم ومعالجة القضايا التنموية وخصوصيتها الثقافية.. لكن ما يخدم الخرطوم أن شعورا قويا لأبناء المنطقة في قطاع الشمال بدأ يسري بأنهم يستخدمون لصالح أجندة لا علاقة لها بقضايا المنطقة؛ فاللواء تلفون كوكو أحد قادة الحركة الشعبية من أبناء جبال النوبة صدع بالصوت الأعلى الذي مثل انتفاضة أبناء النوبة على الحركة الشعبية.. وتتخلص رؤية كوكو وكان المعتقل الأبرز في سجون الحركة الشعبية بدولة الجنوب منذ العاشر من أبريل 2010م حتى 2013، في مقال كتبه قبل اعتقاله قبل أكثر ثلاثة أعوام: (بأنه أدرك مؤخراً أن ما قام به أبناء جبال النوبة من خدمة الحركة الشعبية أيام النضال لم يجد التقدير ولا المكافأة، بل الأدهى أنهم خدعوا من قبل الحركة الشعبية عبر المنافستو الأول لها. ويرى اللواء كوكو أن قيادات الحركة الشعبية لم تكن أمينة مع نفسها ومع شركائها عندما كانت تعرض قضية الجنوب مع دول "الإيقاد" وأصدقائها، فكان همها قضية جنوب السودان، مما جعل "الإيقاد" تركز فقط على الجنوب دون القضايا الأخرى.. وآخر المغضوب عليهم من أبناء جبال النوبة كان اللواء خميس جلاب، حيث فصل من الحركة الأسبوع الماضي. بالإضافة إلى هذه الظروف المواتية؛ على الخرطوم أن تبدي حرصا وجدية في سعيها للحوار كآلية لحل كل مشاكل السودان عقب الخطاب الضافي الذي أعلن فيه الرئيس عمر البشير عن حزمة تغييرات جديدة تهدف إلى إعادة الوفاق بين مكونات السودان السياسية.