28 أكتوبر 2025
تسجيلتخاذل الأنظمة في الدول العربية الوازنة حيال ما يجري على أرض فلسطين أصبح أمراً من المسلمات، فلا يستطيع أحد أن ينكر حقيقة أن هذه الأنظمة تقارب الولايات المتحدة وفقا لأولويات رسمتها النخب الحاكمة، وهي أولويات بقاء بالدرجة الأولى ولا تصلح أن تكون أساساً لمساعدة الشعب الفلسطيني في دحر الاحتلال والتصدي له. طبعا، الولايات المتحدة لا تقيم وزنا لهذه الأنظمة، فهناك في واشنطن من يرى أن هذه الأنظمة عاجزة عن فعل أي شيء وأنها أنظمة معزولة عن شعوبها وهي تحتاج الولايات المتحدة أكثر من حاجة الولايات المتحدة لها. وكأن الرئيس ترامب كان ينتظر أن يقدم له العرب الشكر والعرفان على قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو للدقة ربما غرر به بعض العرب عندما كان صهره جاريد كوشنر يتوصل إلى تفاهمات معهم على حساب فلسطين، فالقدس باتت قضية – وفقا لتعبير وزير الخارجية البحريني – ثانوية. لذلك يبدو أن الرئيس ترامب فوجئ من ردود فعل الجماهير العربية والقيادة الفلسطينية على وجه التحديد. فهو لا يفهم مثلا لماذا يتم رفض استقبال نائبه في الأراضي الفلسطينية ولا يفهم لماذا يرفض الفلسطينيون العودة إلى طاولة المفاوضات بعد قرار القدس! وعليه فقد هدد مؤخرا بأن بلاده ستقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية. هذا هو ترامب – حليف بعض العرب المعادين لإيران – الذي يريد أن يتوصل إلى ما أسماه "صفقة القرن" ليحصل عوضا عن ذلك على صفعة القرن بعد هزيمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فبعد أن أوصل له الفلسطينيون رسالة قوية بأنهم غير آبهين به وبدور بلاده، بدأ بالتفكير في أن قطع المساعدات هو الوسيلة المثلى لإخضاع الفلسطينيين لمنطق الغطرسة. هنا أخطأ ترامب مرتين: الأولى، كان عليه أن يعلم بأن قطع المساعدات يعني وقف التنسيق الأمني الفلسطيني مع إسرائيل وهذا بدوره يشكل تحديا أمنيا جديدا لإسرائيل لم تعتد عليه منذ اتفاق دايتون. والخطأ الثاني وفقا لجيرمي بن عامي – وهو يهودي أمريكي يرأس منظمة جي ستريت – هو أن ترامب بهذا القرار يكون فقد الأهلية ليكون وسيطا على طاولة المفاوضات. أختلف هنا قليلا مع جيرمي بن عامي إذ إن العودة لطاولة المفاوضات ما هو إلا اسم حركي يشير إلى خنوع الجانب الفلسطيني لمنطق القوة وليس لقوة المنطق، فالرئيس ترامب لم يخرق القانون الدولي فحسب بل زاد على ذلك عندما نسف وعن وعيّ تام مرجعيات السلام المتفق عليها سابقا بين كل الأطراف، وبالتالي فإن التهديد بقطع المساعدات ما هو إلا خطوة تصعيدية لدفن عملية السلام التي بدأ الجانب الإسرائيلي يتعامل مع نتائجها من الآن، فقبل أيام قليلة صوت حزب الليكود على ضم أجزاء من الضفة الغربية وصوت الكنيست الإسرائيلي على عدم إجراء مفاوضات حول القدس إلا بموافقة الثلثين ما يعني أن الاستعصاء الإسرائيلي وصل مرحلة المأسسة. أمام هذا ماذا بوسع العرب أن يقوموا به؟ إذا قامت أمريكا بالفعل بقطع المساعدات عن الفلسطينيين فعلى الدول العربية أن تدفع للسلطة الفلسطينية كامل الحصة الأمريكية، فلا يعقل أن يتم إنفاق مئات المليارات على أسلحة وعلى جيوش مراسم وحروب فارغة بينما لا تدفع هذه الدول جزءا بسيطا من ذلك لتمكين الفلسطينيين من الصمود في وجه الغطرسة الأمريكية المنفلتة من عقالها. فليس المطلوب تحريك الجيوش لتحرير فلسطين ولا تزويد الفلسطينيين بالسلاح الكاسر للتوازن، فقط القليل من المال يمكن أن يصنع الفارق. فهل يرتقي الطرف العربي الرسمي إلى مستوى التحدي أم يضيفوا فصلا آخر إلى سجل التخاذل والتآمر؟!.