19 سبتمبر 2025

تسجيل

فن الممكن..

08 يناير 2017

سأل أعرابي معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، عن سر قدرته في إدارة الدولة الأموية مدة طويلة، ناهزت الأربعين عاماً، رغم الكثير من المشكلات والأزمات التي كانت تعصف بمن حوله، فقال معاوية:" إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو كان بيني وبين الناس شعرة، ما انقطعت. كانوا إذا أمدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها ".وصف دقيق أو خلاصة ما يمكن تسميته اليوم بفن السياسة ودبلوماسية الحكم.. هذا الفن الذي يحتاج إليه كل زعيم أو قائد، فن إدارة الناس. إذ ليست القوة والعنف والشدة تنفع دوماً في التعامل مع البشر، فهي قد تأتي بنتائج تبدو جيدة في الظاهر، لكن لا يمكن ضمانة الاستمرارية.. ومعاوية بذكائه، كان قادراً على إحداث نوع من التوافق بينه وبين الناس، بحيث يصبر كل طرف على الآخر.إدارة الناس والجموع، تحتاج إلى سياسة ودهاء، ولو توافرت القوة المادية مع تلكم الأمور، فمن المؤكد أن النتائج تكون مقبولة إلى درجة كبيرة. وأحسبُ أننا جميعاً بحاجة إلى تأمل مقولة معاوية أو هذه السياسة، ليس في شؤون الحكم فحسب، بل كل مناحي الحياة.خذ على سبيل المثال إدارة المؤسسات والشركات، أو إدارة المدارس والجامعات، وصولاً ومروراً بالبيوت وإدارة شؤونها، والعلاقات بين الأزواج وبين أفراد العائلة الواحدة، حيث الأمزجة والأهواء المتنوعة المتقلبة، التي ربما لا تحتاج إلى ديكتاتوريات، بقدر حاجتها إلى من يستوعب ويتفهم معاني " فن الممكن " أو السياسة والدبلوماسية، التي تُبقي شعرة معاوية، رغم ضآلتها وضعفها، باقية لا تنقطع.. إنها السياسة نفسها، التي تجعل الحياة تسير بأقل الموارد والإمكانات، وبأقل ما يمكن من الخسائر.