11 أكتوبر 2025
تسجيلأحياناً يكون البعض أكثر قولاً من أن يفعل شيئاً أو يطبق فعلاً كسنبلة القمح الممتلئة، فتكون ساكنة ثقيلة خاشعة مقارنة بالسنبلة الفارغة التي تلعب بها الرياح يميناً ويساراً، وتحضرني هنا مقولة الدكتور عائض القرني حين قال: (إذا مر القطار وسمعت جلبةً لإحدى عرباته فاعلم أنها فارغة)، فالسيف يقص العظام وهو صامت، والطبل يملأ الفضاء وهو أجوف، في المقابل يجب ألا نحتقر فقيراً أو صغيراً فقد تكون الحكمة عنده ونحن نجهلها، فقط علينا بإعطائهم الفرصة للإسهام بآرائهم وأفكارهم.وفي ذات السياق تحضرني قصة قرأتها أنه قامت مدرسة من المدارس برحلة للأطفال إلي أحد الأماكن الترفيهيّة، فتجمع الأطفال وتحرك بهم سائق الحافلة بسرعة عالية على الطريق السريع المؤدي إلي المكان الذين يرغبون الوصول إليه، وكان هُناك نفق أمامهم يبعد بضعة أمتار مكتوب عليه: الحد الأقصى للعُبُور من تحت هذا النفق ثلاثة أمتار، وكان ارتفاع الحافلة ثلاثة أمتار، ولأن السائق كان يعبُر من تحته كل سنة عندما يذهبون إلى نفس المكان، ولأن ارتفاع الحافلة نفس الارتفاع المسموح به للعبُور، كان السائق يسير بسرعة دون القلق من هذا النفق، ولكن تفاجأ السائق باحتكاك الحافلة بسقف النفق عند العبُور نتيجة الاحتكاك الشديد بسقف الحافلة، خاف الطلاب ونزل الجميع ليروا ماحدث لهم فوجدوا أن الحافلة مُتعثِّرة في منتصف النفق ولا يعرفون ماذا يفعلُون، وعندما أوضح سائق الحافلة للسائقين الذين وقفوا ليساعدوه، أنه في كل سنة يمر بسهولة من تحت النفق وبنفس الحافلة ولم يعلم بالذي حدث، عرف منهم أنه تم رصف الطريق فزادت طبقة الاسفلت الجديدة، حاولوا عدة مرات سحبها للخارج، ولكن كان ينقطع الحبل بسبب قوة الاحتكاك بسقف النفق، ولم يفلح أحد في الحل، نزل أحد الأطفال من الحافلة قائلاً: أنا عندي الحل، فقاطعه مشرف الباص باستهتار وقال له: أصعد إلى داخل الحافلة ولا تنزل مرة أخرى، فقال الطفل بثقة:( لا تستهتر بي لِصِغَر سني، وتذكر ما قد تفعله إبرة صغيرة في بالونة كبيرة)، واستمر قائلاً: لننزع من داخلنا هواء الكبرياء الذي يجعلنا ننتفخ بالغرور أمام الناس، فإذا طبقنا هذا الكلام على الحافلة ونزعنا قليلا من الهواء من إطاراتها ستبدأ تدريجياً في الابتعاد عن سقف النفق وسنعبُر بسلام، أنبهر الجميع من فكرة الطفل الرائعة، وبالفِعل نزعوا الهواء من إطارات الحافلة حتى هبطت على الأرض وعبرت بسلام.والعبرة من ذلك، ليتنا ننزع من داخلنا هواء الكبرياء والغُرُور، فدائما النية الطيِّبة تجلُب معها المفاجآت الجميلة.إذن هذا الطفل اقترح لهم حلاً لم يصل إليه الكبار، والسبب سرعة البديهة التي يتميز بها الصغار لإصدار الحكم على الأشياء بسرعة خاطفة بناءً على إدراكٍ سريعٍ خاطف، فسرعة البديهة وإن كانت تعني في الأصل سرعة الإدراك أو سرعة التفكير، ولكنها تعني سرعة الحكم على الشيء بناءً على سرعة الإدراك الفطري أو الطبيعي، في المقابل الذكاء أمر لابد منه في اتخاذ الإجراء، إذن الذكاء هو الذي يُوجد سرعة البديهة.أخيراً لنستمع لأفكار الآخرين ونوليها اهتماماً حتى وإن كان في داخلنا عالم آخر يتألم، ولندعهم يعبرون عن مشاعرهم، ولتستمع دون التربص لفرصة كي تتحدث، فكن مستمعاً جيداً لتكن متحدثاً لبقاً، فإن لم نستمع للآخرين وكيف يفكرون، فكيف لنا أن نشخّص الأمراض ونعالجها؟