17 سبتمبر 2025

تسجيل

وجهات السياسة الإيرانية ليست مفروشة بالسجاد دائما

08 يناير 2012

في حين طبول الحرب تقرع ليس ببعيد عن هنا حيث الحنق الإيراني من حزم العقوبات الدولية المتلاحقة على تعاملات الدولة الفارسية واقتصادها المتأزم أصلا. يطلق نظام طهران التهديدات المتلاحقة لإغلاق مضيق هرمز الحيوي استفزازاً للعالم ورداً على تلك العقوبات التي دفعت بأساطيل الولايات المتحدة صوب الخليج بعد مناورات البحرية الإيرانية مؤخراً ونشاطها في استخدام أسلحة وصواريخ ذات تقنيات متقدمة في مدى استهدافاتها. والسؤال هل تجدي حزم العقوبات مع شعب تعلم طوال الـ 30 عاما الماضية كيف يتعامل مع الحظر الدولي داخلياً وخارجياً فيمرر بعض الاتفاقات التبادلية لتجارته المعتمدة على النفط والغاز ويحض داخلياً على الإنتاج وتحقيق موارد ولو بسيطة لمعظم سكانه البالغ تعدادهم 74 مليون نسمة إضافة إلى حفز التصنيع الداخلي ومحاكاة السلع العالمية سداً للاحتياج المحلي والتصدير لاسيَّما وأن الاقتصاد الإيراني يتميز بإنتاج سلع فريدة عالمياً مثل السجاد المميز والذي يقتنيه غالباً الميسورون وأثرياء العالم لما فيه من الفخامة وجودة التصنيع اليدوي المستوطن في عدد من المدن الإيرانية. عموماً ما كنت أود الحديث عنه هنا بعيداً عن نذر الحرب هو السجاد الإيراني ذاته والذي تعد صناعته من أشهر وأقدم الصناعات اليدوية في إيران وتؤكد الوثائق التاريخية، بأن أول سجادة يدوية في العالم تم نسجها في إيران، ويستدل المؤرخون على ذلك بالعثور على أقدم سجادة في مقبرة بازيريك، جنوب سيبريا ويعيدون تاريخها إلى العصر الاخميني قبل حوالي 400 إلى 300 عام قبل الميلاد. وقد ظلت صناعة السجاد علامة مميزة لعدة عصور تاريخية مرت بها بلاد فارس وأثرت ثقافة تلك العصور في رسومات تلك المنتجات وشكلها العام بينما ظلت جودة الإنتاج علامة فارقة وصناعة مستدامة تستهوي هواة هذا الفن وفخامته المصنوعة يدوياً. وقبل أن أخوض في تفاصيل حضور صناعة السجاد في اقتصادات إيران وددت أن أورد هذه القصة التي تؤكد الاهتمام العالمي بهذه الصناعة وذوقيتها التاريخية فيذكر لي أحد الأصدقاء أثناء دراسته في نيويورك أنه عمد إلى تأثيث بيته المؤقت هناك وبحكم يسر ذات اليد فقد كان باذخا في هذا الجانب فقصد أرقى المحلات وأغلاها أسعارا لينتقي مكونات منزله خاصة وأنه حديث عهد بزواج فكان يمارس نوعاً من الاستعراض المالي وقدرات الصرف أمام شريكة عش الزوجية فصار أن اقتنى سجادة إيرانية صغيرة لوضعها في مدخل المنزل بمبلغ ألفي دولار. وبعد شهور عاود زيارة نفس المتجر الذي اقتنى منه السجادة ليعرض عليه صاحب المتجر شراء ذات السجادة بمبلغ 10 آلاف دولار ولكنه بحكم ثرائه لم يعر اهتماماً للعرض المضاعف والذي تكرر مرات متعددة بمبالغ مضاعفة مما حدا بصاحبنا البحث عن ماهية سجادته وتاريخها فقرر الاستعانة بصديق ذي خبرة في هذه الصناعة وتاريخها والذي دهش من وجود تلك السجادة بذاتها عنده فهي حسب قوله مصنفة عالمياً ضمن المقتنيات التاريخية والتي نهبت من مقتنيات شاه إيران المخلوع. وهنا قرر الصديق بيعها للمتجر بسعر يحدده هو هذه المرة خشية من انكشاف سرها فيتعرض منزله لما يخشاه من السرقة. كان ذلك في بداية الثمانينيات وتظل صناعة السجاد الفاخر احتكاراً إيرانياً حتى اليوم حيث بوارج البحرية الأمريكية في خليجنا ترفع درجات تأهبها ربما لمواجهات متوقعة ودون أن تدخل صناعة السجاد ضمن محظور التجارة مع إيران والتي تعد ثالث موارد العملة للجمهورية بعد النفط والغاز ومشتقاته بمقدار 1.5 مليار دولار سنوياً ويمثل دخل ملايين الأسر هناك. وخلاصة القول: إن كافة السبل ليست مفروشة بالسجاد والذي لا يمكن الاعتماد عليه في ظل سوق عالمية منافسة. فهناك أزمة داخلية تنتظر الشعب الإيراني جراء الحظر الدولي وبنوده حيث لن تسد الموارد الأخرى حاجة الشعب المتزايد والذي يعاني اقتصاده من البطالة والتضخم وهو ما يدعو إلى استقراء هاد وعقلاني من قبل ساسة الجمهورية لقبول صيغة متوافقة مع العالم بشأن برنامج بلادهم النووي تجنباً لمزيد من الضغط على حالة الشعب الاقتصادية. كذلك مراعاة الحالة السياسية لكينونة النظام الذي يبدو هشاً من الداخل إثر الاختلافات الظاهرة بين الراديكاليين ومؤسسة الحكم والتجاذب مع بعض الرموز والطوائف. فنتمنى أن يتنبه عقلاء النظام إلى محددات المشهد وخطورة جر المنطقة إلى أزمة أكبر لمجرد الشعارات والشحن المعنوي. [email protected]