16 سبتمبر 2025
تسجيلأنهى المسؤولون الأتراك عام 2010 بمواقف تفوح منها رائحة طموحات عالية ليس أقلها أن تركيا يجب أن تكون في طليعة الدول التي ستؤسس النظام العالمي الجديد. وتأتي مواقف وزير الخارجية أحمد داود أوغلو الأكثر تعبيرا عن التوجهات التركية الجديدة. ورغم أنه قال في لقاء مع صحفيين أتراك إن بوصلة تركيا لم تتغير ولا تزال جزءا من الغرب وأن مستقبل تركيا هو في الاتحاد الأوروبي فإنه أيضاً قال إن تركيا لن تكون أبداً دولة مواجهة مع أي محور ضد محاور أخرى. وأومأ إلى أن تركيا ستكون بنفسها محورا قائما بذاتها. تنتمي تركيا في السنوات الأخيرة إلى فئة الشعوب التي تتوثب وتتحفز وتقفز من مرحلة إلى أخرى، فهناك نمو اقتصادي متسارع رغم الأزمة المالية، ناتج قومي يلامس الثلاثة أرباع تريليون دولار، ارتفاع معدل الدخل الفردي، وحجم تجاري خارجي جيد. أما أرقام البطالة فهي ظاهرة عالمية بازدياد السكان وإن لا يعفي هذا سلطة حزب العدالة والتنمية من العديد من الثغرات التي تتسع مع الاستمرار الطويل لحزب في السلطة وعدم قدرة الاندفاع على ضبط التجاوزات ومكافحة الفساد. ومع أن تركيا حققت إنجازات كبيرة جدا في العام 2010 ولاسيَّما على الصعيدين الداخلي والخارجي من إقرار إصلاحات تاريخية في الداخل وصولا إلى دور متزايد عالميا بعد دور أنقرة ومعها البرازيل في إعلان طهران النووي، غير أن أمام تركيا العديد من التحديات التي يتعين عليها تجاوزها لمواصلة مسيرتها الناجحة. داخليا ستشهد تركيا في يونيو المقبل انتخابات نيابية مهمة. إذا نجح حزب العدالة والتنمية في الفوز بها والانفراد بالسلطة للمرة الثالثة يكون أمام تحدي استكمال الإصلاح من دون أي عذر للتأخر بها. وفي مقدمة هذه الإصلاحات إعداد دستور جديد مدني يطوي صفحة الدستور المعمول به حاليا منذ العام 1982 مع بعض التعديلات. والأهم ما سوف يتضمنه الدستور الجديد من مقاربة لمشكلات تركيا الاتنية ولاسيَّما المسألة الكردية والحريات العامة والدينية ومنها قضية الحجاب في الجامعات. ومع أن تصريحات رئيس الحكومة والحزب رجب طيب أردوغان لا توحي بتغيير النظرة الحالية والمتشددة للمسألة الكردية فإن الوضع قد يتغير بعد الانتخابات خصوصا أن الحزب الآن ليس في وارد تغيير خطابه القومي لحسابات انتخابية. وبقدر ما يكون التحدي أمام أردوغان وحزبه في ضمان حرية الحجاب في الجامعات وربما في غيرها فإن التحدي قائم أيضاً في ضمان الحفاظ على مبدأ العلمانية الذي يعني كل فئات الشعب التركي خصوصا في ظل اتهام العلمانيين لأردوغان أنه يسعى سرا لأسلمة الدولة تدريجيا. ويبدو التحدي الخارجي أيضاً كبيرا خصوصا في ظل التوتر مع إسرائيل والدور الإقليمي التركي الذي يثير حساسيات البعض. فالعدوان على أسطول الحرية التركي ومقتل تسعة أتراك على متنه على يد الجنود الإسرائيليين شكل كابوسا للدور التركي في الشرق الأوسط الذي طرح نفسه وسيطا بين سوريا وإسرائيل كما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي ظل الرفض الإسرائيلي للاعتذار من تركيا والتعويض على الضحايا لا يمكن لتركيا أن تبادر إلى الوساطة. كما أن رفض إسرائيل للوساطة الإسرائيلية يشكل عامل ضغط على تركيا. لذا نجد أن العام 2010 لم يكن ناجحا لأنقرة على صعيد الدور الشرق أوسطي ولا على صعيد المساعدة الفعالة للفلسطينيين حيث بان جليا أهمية التجاوب الإسرائيلي لتسهيل أي دور تركي في المنطقة. كذلك على تركيا أن تذلل الاعتراضات العربية الضمنية من جانب بعض الدول أمام حضورها ودورها حيث تبين أيضاً أن تركيا لا يمكن أن تتجاوز الأدوار العربية الأخرى ولاسيَّما السعودية ومصر أو أن تتصادم معها وهو ما فرض تراجعا في الدور التركي الشرق أوسطي. كذلك يتوجب على تركيا أن تجد حلا يكفل لها استمرار التوازن في علاقاتها بين إيران والغرب ولاسيَّما بعد موافقتها على نشر الدرع الصاروخية الأطلسية على أراضيها في قمة لشبونة في الخريف الماضي. ومن أهم التحديات التي تواجه علاقات تركيا الخارجية هي ما تشكله المشكلة القبرصية من عقبة كأداء أمام تقدم المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. كذلك على تركيا أن تبرهن أكثر بالممارسة العملية ابتعادها عن السياسات ذات الحساسيات العرقية أو المذهبية سواء تجاه العالم العربي والإسلامي أو في القوقاز وما يتصل بالمسألة الأرمنية. ولعل أهم تحد يواجه تركيا هو أن تخفف من الجرعة الزائدة من الأيديولوجيا في خطابها الخارجي فتكون أكثر واقعية ولا تسقط الآخرين في رهانات غير واقعية على ما يمكن أن تقدمه لهم.