17 سبتمبر 2025
تسجيلأي هوية متماسكة تحد من الآخر الدخيل، على الرغم من قوة التأثير التي تستمر في الولوج بشكل غير مباشر على المجتمعات، هذا باختصار محط الاهتمام نحو فهم الهوية ومدى قدرتها على مقاومة الآخر على انه غريب، خاصة عندما تحدد له خطوطه الحمراء في محيط يصعب من خلاله الترحيب فيه! يحصل أن تتحول الهوية إلى عنصر هش، عندما يتقبل المجتمع المحلي ذاك الغريب بقيمه وأخلاقياته ويتقمص تلك الهوية على انها انفتاح حضاري عليه وعلى الآخر أيضاً، هنا يكمن الفرق الخطير، ومن هنا تتضح الصورة أكثر لمدى الخوف والقلق على الهوية من الانهيار ومدى هشاشتها أمام الغريب الآخر. وهذه نظرة عامة، ولكن أجد أنها صريحة جداً حول مدى وازع وقيم المجتمع في وضعه للخطوط الحمراء أمام الآخر غير المرغوب به، ولو أصبح تقبل الآخر نابتا وسط المجتمع اليوم، وهنا يكمن القلق الفعلي، عندما تحصر الهوية في تعريف وتتعامل معها في محيطك بتعريف آخر، بل عندما تتعايش مع الآخر في أجهزتك وتواصلك الاجتماعي وحياتك الشخصية، وتترفع عنها مع الجماعة على أن الغريب غير مرحب به!. وهذا بحد ذاته يعتبر هوسا جدليا مستمرا لسؤال من نحن في ذروة ثقافية نعيشها ويصعب علينا أحياناً كثيرة التصدي لها، فيبدأ الناس في هذه الحال الاهتمام أكثر بسؤال الماهية خلال ذروة القلق، وحاملين هم التنشئة الاجتماعية بشكلها الجماعي وأثرها على أجيال تبتعد من الآن من مبادئ وأخلاقيات المجتمع وتتقبل الآخر لأنه منفتح، منطلق مبدع ومتجرد، ويضع نفسه المهم أمام كل شيء آخر. نشء ينظر للنواة والوحدوية باختصار على انها انطلاق وحرية وقوة في الشخصية. ولا أستطيع في الحقيقة في هذه الحال أن أضع حملاً على المنزل، الأسرة أو المؤسسة وحدهما لتعزيز الانتماء وتقوية الهوية، إلا إذا كان جهداً يتوحد في المفهوم أولاً والمبادئ التي تبرز من خلالها الرسالة التوعوية، بأهمية الحفاظ على هوية مجتمع تميزه عن الآخر ولا تتشابه معه في منكراته، وما يتوارد الآن في الوسط المجتمعي من دون تعميم هو الخوف على الهوية الظاهرية واستنكارها لأنها تختلف عن ظاهرية المجتمع، وهذا جزء واحد لمنظور هوية يخشى على حدوده من الغريب. وبالنسبة لي، استبق موضوع الهوية جزء آخر أهم منه بكثير! تظل مثل هذه الجدليات الثقافية مستمرة من دون أن تجد لها حلاً واضحاً وجواباً موحداً، خاصة إن ظل مفهوم المواطنة أيضا من دون تعريف موحد يعكس منظور الهوية من خلال تعريف القطري لنفسه، من أنت كقطري وكقطرية، كيف تعرف نفسك على أنك قطري؟ أو كيف يعرفك القطري الآخر على أنك قطري؟ هل يراك الآخر بأنك قطري تتشابه معه في الحقوق والواجبات والمواطنة. إذ يعتبر جزء المواطنة مساراً أعمق من مجرد طرح موضوع الهوية في ذروة القلق والخوف على مجتمع من الخارج. بل من المفترض أن ينبع المفهوم من الداخل وتبرز فيه روح الانتماء بتشابه المواطنة ولو تنوع تاريخها الثقافي الحافل واختلفت أطيافها. فلا غنى عن تلك العناصر التي تصنع الهوية الوطنية وتربط علاقتها الاجتماعية بالجماعة بشكل أعمق وأقوى، إذ إن الوطن والثقافة يعتبران العنصرين اللذين لا غنى عنهما في تشكيل أي هوية في العالم، فمن دونهما لن تكون هناك شخصنة مجتمع، ولن تتشكل القيم التي تختلف من جغرافيا لأخرى. بالتالي، لن تجد الإجابة الواضحة للهوية لتصدي الآخر الظاهري الذي لا ترغب فيه، طالما لا توجد مقاربة مشتركة وموحدة للمواطنة والهوية بنظرة الداخل وتقبله لقطري اليوم وقطري الأمس، إذ نختلف هنا في تقبل الآخر حينما يكون مرغوباً وحينما يكون منبوذاً، ولابد من تقبل الآخر المرغوب ممن يمثل بعلمه، يعكس وطنه، يكرس حياته باسم وطن، وحام لقيمه ومبادئه. فلا بد أن تنظر للآخر من الداخل ولا تخشى منبوذ الخارج عندما يكون طفرة تأتي وتذهب إن ظلت معايير الهوية والمواطنة واحدة، وقاومت المنبوذ بمواطنة تقاومه وتعي قيمها ضده!. ولا شك بأن العولمة لن تترك المجال للخصوصية أن تكون محدودة داخل أسوار المنزل ولا جغرافيا الدول، بل اجتازت الأسوار واخترقت الشبكات كي تكون عند كل فرد في نفس المنزل، وفي كل منزل من نفس المجتمع. بالتالي، يظل التحدي مستمراً في تشكيل وحماية الهوية من الانهيار في ظل موجات خطيرة لها دخول غير مرحب به وبشكل مبطن لعملية تقبل الآخر، ولكن تظل الموازنة مهمة في الوعي بالقيم والوازع الديني والأخلاقي والذي سيظل يقابله الانفتاح على الآخر بشكل مستمر سواء كان جزءاً من تنمية وطنية أم من دخيل عابر!. [email protected]