16 سبتمبر 2025

تسجيل

الرغبة بالتغيير لا تكفي لنجاح الثورات

07 ديسمبر 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); رغم مرور أكثر من أسبوع على صدوره، ما زال الكثير من المصريين تحت وطأة صدمة الحكم القضائي الذي صدر بتبرئة الرئيس المخلوع حسني مبارك. يعتبر هؤلاء الحكم مسماراً ربما يكون الأخير في نعش الثورة المصرية، وخطورته بالنسبة إليهم لاتقتصر على أنه برّأ عقوداً من الفساد والظلم والاستبداد وتجاوز عن دماء الشهداء، بل أنه صدر باسم الشعب المصري، باسمهم جميعاً رغماً عنهم.مصر ليست الوحيدة التي تسير باتجاه اجترار وضعها السابق، بل تتشارك في ذلك مع معظم أقطار الربيع العربي، ولعلّ التجربة التونسية الوحيدة التي ما زالت صامدة في مواجهة "الثورة المضادة".لم يكن منتظراً أن تمر ثورات الشعوب العربية بسهولة، ولم يكن متوقعاً أن يُفسح المُنتفعون من الأنظمة السابقة الطريق أمام الثائرين المنادين بالحرية والكرامة والعدالة.. فالفساد الذي عشعش لعقود في أجهزة الحكم وفي عقول ونفوس العاملين فيها، لن يكون سهلاً انتزاعه بين ليلة وضحاها. خاصة أن الأنظمة - في سبيل بقائها - تستخدم كل ما أوتيت من وسائل (مشروعة وغير مشروعة) ولو أدى ذلك لخراب البلاد ومعاناة العباد. على الضفة الأخرى، كان متوقعاً من قوى التغيير الثورية أن تكون أكثر ثباتاً وتماسكاً في مواجهة الثورة المضادة، وأشد صلابة لصد محاولات سلب الحرية التي دفعت الشعوب ثمنها دماء وعذابات. ما شهدناه في دول الربيع العربي كشف أن الثورات الناجحة ليست فقط تظاهرات واعتصامات سلمية وهتافات وشعارات تنادي بالحرية والكرامة والعدالة في مواجهة قمع الأنظمة الفاسدة وبطشها. فالثورة هي شرارة مشتعلة، في حين أن صون وحماية وتحصين هذه الشرارة لايكون صدفة وتلقائياً، بل برؤية واضحة يفترض أن تكون رسمتها قوى التغيير مسبقاً، وحضّرت بصمت للوصول إلى اللحظة الحاسمة. لعلّ الخطوة الأهم التي كشفت عنها أحداث دول الربيع العربي، هو أن الأنظمة الفاسدة تحسن استخدام أوراق القوة لديها. فالتحدي الأبرز الذي واجه ثورات الشعوب وحاربها ويسعى للقضاء عليها ليس الأنظمة الفاسدة، بل أيضاً أجهزة الدولة التي يفترض أن تكون "في خدمة الشعب". لكن الأنظمة نجحت في استمالة هذه الأجهزة واختبأت وراءها، وصارت الدولة في مواجهة الشعب، ومستعدة للقضاء عليه. حين نتحدث عن الدولة فإن ذلك لايعني فقط المؤسسة العسكرية، بل المنظومة المتكاملة للدولة، بما تشمله من إدارة وقضاء وإعلام واقتصاد ورجال أعمال ونقابات و... كل هذه القطاعات لايمكن أن تنجح الثورة بمعزل عنهم، أو إذا لم يراع تحقيق مصالحهم وعدم الإضرار بمكتسباتهم.العاملون في أجهزة الدولة لاتقنعهم شعارات الحرية والكرامة التي يصرخ بها الثائرون في الساحات والميادين. على العكس، هم يخشون من هذه الشعارات، ويسعون لعدم نجاح أصحابها، لأنهم يعتقدون أن الثورة تشكل خطراً على مصالحهم ونهاية لمصدر رزقهم. لذلك على قوى التغيير أن تسعى للتواصل مع هؤلاء، وأن تعمل على إقناعهم بأن مصالحهم لن تتأثر بحصول الشعب على حريته وكرامته، بل ستنعكس إيجاباً عليهم، بعد وقف مسارب الهدر والفساد في البلاد. الكثير من العاملين في قطاعات الدولة ليسوا فاسدين، لكنهم خانعون للواقع، راضون بما قسمه الله لهم. لايرغبون بتغيير واقعهم لأنهم يخشون ما يحمله إليهم المجهول. أما إذا اطمأن هؤلاء بأن المجهول سيكون خيراً وأمناً وسلاماً عليهم وعلى رزقهم فهم لن يعترضوا طريق الثورة، بل ربما يساندونها ويشاركون فيها. هذا لايعني بالمقابل أن العاملين في قطاعات الدولة هم من الأطهار الأتقياء الأنقياء، لكن المؤكد أنهم ليسوا جميعهم فاسدين، وأن التواصل مع الصالحين منهم سيحيّدهم عن المواجهة، ويزيح عن طريق الثورة الكثير من العقبات.أمر آخر على قوى التغيير أن تسعى إليه لإنجاح ثورتها، وهو الانخراط في مؤسسات الدولة المختلفة. فهم مواطنون يحق لهم ما يحق لغيرهم بأن يكونوا ضباطاً في السلك العسكري، وقضاة في القضاء، ومدراء عامين وموظفين، ورجال أعمال، واقتصاديين في الهيئات الاقتصادية، وصحفيين في الإعلام الرسمي، ونقابيين... فالتواجد والانتشار في مؤسسات الدولة ومرافقها يتيح لقوى الثورة أن تفهم توجهات هذه القطاعات وتوجهاتها. ما يجب الحذر منه هنا، هو أن لايؤدي انخراط شباب الثورة في مؤسسات الدولة إلى نجاح الأنظمة الفاسدة في استمالتهم والتأثير عليهم وضمهم إليها، ليصبحوا وقوداً للفساد بعدما كانوا وقود الثورة. هي مخاطرة، لكن لابد من خوضها. كل ما سبق، لا ينفي أهمية العفوية والتلقائية في ثورات الشعوب. فالثورة على الظلم هي رد فعل غريزي لا إرادي فطر الله عباده عليه لإعلان الرفض ومواجهة الظلم. لكن حتى تؤتي الثورة ثمارها وتصل إلى نتائجها المرجوة، على قوى التغيير الكثير من التخطيط والسعي والعمل والبذل.