16 سبتمبر 2025
تسجيلتوفي الجنرال الفرنسيبول أوساريس الذي كان يعيش بعين واحدة المشهور بدفاعه عن استخدام القوات الفرنسية للتعذيب في الجزائر عن عمر يناهز الـ95، حسبما أعلن اتحاد المظليين السابقين الأربعاء4ديسمبر الجاري في منطقة ستراسبورج شرق فرنسا. وكان أوساريس وهو بطل المقاومة ضد النازية خلال الحرب العالمية الثانية، شخصية مثيرة للجدل في فرنسا. الجنرال أوساريس، كان أكثر الرجال تكتما للأمور في الجهاز الأمني الفرنسي، وكان رئيس الاستخبارات تحت قيادة الجنرال ماسو أثناء معركة الجزائر عام 1957، وكان رجل الأعمال الشريرة والإعدامات بلا محاكمة والتعذيب المنظم، وضع فرنسا مجدداً أمام الجرائم التي ارتكبتها قواتها خلال الثورة الجزائرية. وفي كتاب صدر عن دار"بيران" الفرنسية، ويحمل العنوان التالي:"الأجهزة الخاصة.الجزائر 1955-1957"، عام 2001 اعترف الجنرال أوساريس بتعذيب وقتل 24 أسير حرب جزائريا خلال حرب استقلال الجزائر عن فرنسا 1954 – 1962. في مقابلة مع صحيفة لومند الفرنسية بتاريخ 23نوفمبر 2000، قال الجنرال أوساريس، إنه أعدم بنفسه مساجين من "جبهة التحرير الوطني"الجزائرية، وأمر بإعدام مئات المشبوهين من دون محاكمة، وأضاف أن نحو ثلاثة آلاف مشتبه بهم قتلوا، وكان من الضروري أن "تختفي جثثهم"، وأنه كره الأساليب المستخدمة، ولكنه سوف يتصرف بالطريقة نفسها إذا وضع في ظروف مشابهة. أما الجديد الآخر الذي كشفه أوساريس في كتابه، فهو أن هذه الممارسات لم تكن مجرد انتهاكات يتحمل مسؤوليتها العسكريون المنخرطون في المواجهات على الأرض، بل إنها كانت تحظى بتغطية من قبل المسؤولين السياسيين في فرنسا، لاسيَّما من قبل وزير العدل آنذاك الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. ويؤكد أوساريس أن التعذيب والإعدامات السريعة وقتل المدنيين التي تقدم لاحقاً على أنها"أعمال انتحارية" كانت من الممارسات الشائعة لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية في الجزائر عند التحاقه بها عام 1955، كما يدافع عن هذه الأساليب بقوله: إنها " فعالة، فبدافع الخوف ينهار المعتقلون ويبدأون في الكلام، وينتهي الأمر بتصفيتهم". واعترف الجنرال أوساريس للمرة الأولى بقتله عام 1957 المحامي الجزائري علي بومنجل، والزعيم التاريخي المسؤول عن جبهة التحرير الوطني في الجزائر الشهيد العربي بن مهيدي. وأثار كتاب أوساريس سلسلة من ردود الفعل لدى الطبقة السياسية الفرنسية الحاكمة آنذاك، التي وصفته بالشخص"القبيح"و"المقيت"و"المثير للاشمئزاز"، فيما صرح رئيس الحكومة الفرنسية السابق ليونيل جوسبان بأن اعترافاته"تنطوي على انتهاكات رهيبة، تستدعي إدانة أخلاقية". وقال الرئيس السابق جاك شيراك في بيان له: إن "رئيس الجمهورية الذي صعق لتصريحات الجنرال أوساريس يدين مرة جديدة الفظاعات وأعمال التعذيب والإعدامات الفورية والاغتيالات التي ارتكبت خلال حرب الجزائر. ليس هناك من شيء يمكن أن يبررها أبداً". وخلص البيان إلى أن " رئيس الجمهورية يأمل أن يتمكن المؤرخون من إلقاء الضوء سريعاً على المسؤوليات من خلال الإطلاع على محفوظات تلك الحقبة". ويبدو من كلام زعماء الطبقة السياسية الفرنسية أن الميل السائد في السياسة الخارجية الفرنسية يقضي بحصر الأعمال الشنيعة التي ارتكبت إبان حرب الجزائر بأوساريس وسواه من العسكريين الذين مارسوا التعذيب، والهروب مرة أخرى إلى الأمام بدلاً من مواجهة الواقع. لقد أغلقت فرنسا خزائن التاريخ المحشوة بالذكريات الأليمة طيلة القرن الماضي، ولكن أين تنام الأشباح التي يمكن أن تعود إلى الظهور يوماً ما، لتفرض نفسها على مسرح الأحداث السياسية في فرنسا؟ وإذا كانت فرنسا قد فتحت خزائن الذاكرة التاريخية بسبب الجرائم التي ارتكبت في الحرب العالمية الأولى 1914-1918، وفي الحرب العالمية الثانية 1939-1945، حين تعاون نظام الماريشال بيتان مع النازيين، فإنه آن الأوان لكي تفتح الخزانة الثالثة للذاكرة التي تحتوي على جرائم ارتكبت باسم فرنسا إبان الثورة الجزائرية، فيما كان يعرف فيما مضى بالحقيقة التاريخية أصبح الآن حقيقة سياسية يبين فيها الواجب والأخلاق. إن صعوبة المقاوم للنازية فرانسوا ميتران في مواجهة العميل فيشي، هي الصعوبة عينها التي يواجهها اليوم زعماء فرنسا بسبب جرائم فرنسا في الجزائر، إذ عن الوقائع التاريخية ماثلة اليوم أمام الجميع. وهي معلنة وصريحة، وتتحمل مسؤوليتها حكومة الجمهورية الفرنسية الرابعة المتمتعة بسلطات استثنائية، والتي خططت وأمرت وغطت على الجرائم التي ارتكبتها القوات الفرنسية في الجزائر في مواجهة المقاومة الوطنية التحررية، بوصفها تتناقض كليا مع كل القوانين الإنسانية، بما فيها قوانين الحرب.