19 سبتمبر 2025
تسجيليقول التاريخ: لما دخل الإمام أحمد بن حنبل على المأمون، وعنده أحمد بن أبي داود (وزيره الضال) الذي كان سبب تمسك الخليفة بآراء المعتزلة وكان سبب إيذاء أحمد بن حنبل وغيره من المسلمين أقول لما دخل الإمام على المأمون استشاط المأمون غضبا وقال بصوت عال: هذا سيفي جردته من غمده فوالله لا أدخله فيه.. إلا أن تعترف بخلق القرآن. وسكت الإمام مستخفا بهذا الخليفة المتجبر، ولما رأى المأمون تصميم الإمام، أمر بأن يطرح أرضا وأن يجلد بالسياط، حتى يعترف بخلق القرآن، وأمر بجلاده بأن يضرب، وضربه الجلاد أول جلده، وانتظر الحاضرون توجع الإمام، وتفهم الذهول عندما سمعوه يقول باسم الله. تلت أول جلدة ثاني جلدة ونطق الإمام – الحمد لله – وتلتها ثالث جلده ونطق الإمام – لا حول ولا قوة إلا بالله. وتلتها رابع جلده ونطق أشهدك اللهم أن القرآن ليس بمخلوق لأن المخلوق فانٍ وحاشاً لكتاب الله أن يعد في الفانين.. وهكذا استمر جلاد المأمون يضرب والإمام يردد آيات الصبر والتقوى، شأنه في ذلك المجاهدين الصابرين، فقام الخليفة غاضبا يضربه بقدميه، ويدوسه بنعليه، وبلغ الغضب من المأمون مبلغا أكبر حين سمع همس الإمام وهو يناجي ربه قائلاً: رباه!! أشكرك أن أنزلتني في منزل بلال، ووضعتي في موضع الصحابة والتابعين، فأمر المأمون من فوره أن يكبل الإمام بالقيود، ويوضع في سجن مظلم مع المجرمين!! استيقظ الناس صبيحة يوم من أيام عام 212 هـ على صوت في المسجد يصيح أيها الناس: أبشروا.. أبشروا فقد مات المأمون اليوم وانكشفت المحنة. قال صاحبي: هل انكشفت حقا؟ قلت: لم تنكشف، بل زادت حدة وغلظة، فقد ترك المأمون وصية لأخيه المعتصم يرجوه فيها أن ينهج نهجه، وخاصة مع القائلين بعدم خلق القرآن. وسيق الإمام مكبلا بالأغلال إلى المعتصم الذي أمر بأن يوضع في سجن مظلم 28 شهراً. وأن يهان ويعذب وينكل به، وقد صدق أمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال بهذا الصدد: ذهب الذين حموا حقيقة علمهم واستعذبوا فيها لعذاب وبيلا في عالم صحب الحياة مقيدا بالفرد، مخزوما به مغلولا صرعته دنيا المستبد كما هوت من ضربة الشمس الرؤوس ذهولا سقراط أعطى الكأس وهي منية شفتي مخب يشتهي التقبيلا عرضوا الحياة وهي غباوة فأبى وآثر أن يموت نبيلا إن الشجاعة في القلوب كثيرة ووجدت شجعان العقول قليلا ومرت الأيام، والشيخ مثابر لقضاء الله مدة تزيد على العشرين عاما، تعاقب الخلفاء الواحد تلو الآخر، وفي عام 232 هـ، أذن الله للمحنة أن تزول فمات الواثق وولي أمور المسلمين (المتوكل) الذي اقتنع بآراء الإمام، فما كان منه إلا أن دعا إليه الإمام أحمد، ومكنه من رقبة (أحمد بن أبي داود) الذي كان يحث المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق على التنكيل بالإمام، بيد أن الإمام عفا عنه لوجه الله تعالى. وخرج الإمام من منزل الخليفة المتوكل متوجهاً إلى المسجد الجامع، حيث سار حشد كبير من الناس يهللون ويكبرون في المسجد الجامع: وقف الإمام فوق منبره ليقول للناس بأعلى صوته: "أعلن لكم أن القرآن ليس بمخلوق، لأن المخلوق فان وحاشا لكتاب الله أن يعد من الفانين". قال صاحبي الخبير التربوي: "حقاً.. بقدر إيمان الإنسان الصحيح يعلو على الشر ويحوله إلى خير عميم".