19 سبتمبر 2025

تسجيل

في نتائج الانتخابات التركية

07 نوفمبر 2015

اقترعت تركيا في الأول من الشهر الجاري في انتخابات نيابية هي الخامسة في عهد حزب العدالة والتنمية، وهي انتخابات جاءت بعد تعذر الوصول إلى ائتلاف حكومي بعيد انتخابات السابع من يونيو الماضي التي أسفرت عن فشل حزب العدالة والتنمية في الاحتفاظ بالغالبية المطلقة.انتخابات الأحد أعادت احتفاظ العدالة والتنمية بمفرده بالسلطة وعودته بالتالي إلى المربع الذي كان عليه قبل انتخابات السابع من يونيو الماضي لجهة الغلبة الرقمية في البرلمان. وبالتالي يمكنه الآن تشكيل حكومة بمفرده. وفي الواقع فإن فوز حزب العدالة والتنمية كان على حساب تراجع أصوات حزبي الشعوب الديمقراطي الكردي والحركة القومية اليميني المتشدد. وهذا بحساب بسيط يفضي إلى أن إستراتيجية الضغط التي اتبعها حزب العدالة والتنمية ضد الأكراد بشقيهم العسكري، حزب العمال الكردستاني، والسياسي حزب الشعوب الديمقراطي قد آتت أكلها. لأن حزب الشعب الجمهوري العلماني لم تتراجع أصواته بل تقدمت بعض الشيء وبالتالي فإن الخطاب المناهض للنزعة الكردية كان له الدور الأبرز في اكتساب حزب العدالة والتنمية أربع نقاط على الأقل من حزب الحركة القومية والتي كانت حاسمة في فوزه الأخير.من الخريطة الرقمية الجديدة للنتائج نجد أن حزب العدالة والتنمية قد حصل على النسبة نفسها التي كان عليها في العام 2011 واستمرت حتى يونيو الماضي وهي 49.4 في المائة لكن عدد نوابه تراجع من 327 إلى 317 نائبا. وهذا يعني وفق الميزان الحالي أنه لا يستطيع بمفرده أن يعدل الدستور في البرلمان ولا إحالة أي تعديل إلى استفتاء شعبي.لكن فوز العدالة والتنمية من جديد بهذه النسبة الكبيرة سيطرح حتما على بساط النقاش إمكانية تعديل النظام السياسي ليكون رئاسيا وهو مطلب رئيسي لدى رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وربما لا يكون الأمر مستحيلا إذ يحتاج الحزب إلى 13 نائبا فقط لكي يمر الاقتراح في البرلمان وإحالته إلى استفتاء شعبي، والعين تتجه إلى استقطاب هذا العدد من النواب من حزب الحركة القومية الذي قد يواجه مشكلات داخلية بعد هزيمته الأخيرة الثقيلة، من دون أن يعني ذلك أن فوز الاقتراح في الاستفتاء الشعبي مضمون مسبقا لكن هذا الأمر سيكون الأكثر ضغطا في الفترة المقبلة، لكن في حال تم تعديل النظام والانتقال إلى نظام رئاسي فإننا سنكون أمام متغيرات رئيسية وجذرية في اتجاه أسلمة الدولة وتغيير طبيعتها العلمانية إن لم يكن بحكم القانون فبحكم الأمر الواقع وهذا سوف يكون ولّادة لكثير من المشكلات والمفاجآت.أما لجهة الوعود الأخرى فإن العدالة والتنمية سيسعى إلى ترجمة وعوده الاقتصادية التي كانت شهدت تضعضعا في السنوات الثلاث الأخيرة في ضوء مؤشرات اقتصادية سلبية على مختلف المستويات من دون أن يكون الأمل بتحسين الوضع الاقتصادي محسوما لأن الأزمة لا تتعلق بوجود الحزب بمفرده في السلطة إذ هو عمليا لم يغادرها ولم يتشارك مع أحد بها حتى بعد انتخابات السابع من يونيو، بل في أزمة بنيوية بدأت قبل ثلاث سنوات على الأقل.غير أن المعضلة الكبرى التي ستبقى أمام العدالة والتنمية هي كيفية حل المشكلة الكردية التي تضخمت وزاد حضورها خصوصا بعد التطورات في سوريا. وليس هناك من تصور لملامح أي حل في ظل التباينات الكبيرة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني.أما على الصعيد الخارجي فإنه لا يتوقع أي تبدل في السياسات التركية تجاه القضايا الرئيسية وفي مقدمها الوضع في سوريا والعراق والعلاقات مع مصر وبعض الدول الخليجية، إذ يمكن الحديث عن تحول في السياسات الخارجية للبلاد في حال وصول حزب جديد إلى السلطة يحمل أفكارا مختلفة، لكن العدالة والتنمية لم يغادر أصلا الحكم ليتم الحديث عن تغييرات ما، لذا فإنه من المرجح بل الجزم بأنه لا تغيير في هذا الصدد، وفي حال كانت هناك تغييرات ما فإن ذلك لن يكون مرتبطا بنتائج الانتخابات بل بمتغيرات في الظروف الميدانية والإقليمية والدولية، علما أن المراقبين ينصحون حزب العدالة والتنمية بأن يعيد النظر في بعض سياساته خصوصا أن عوامل جديدة دخلت على الخط ولا تميل لصالح تركيا مثل التدخل الروسي في سوريا وتصاعد نفوذ الأكراد في المنطقة ولاسيَّما في سوريا.