31 أكتوبر 2025

تسجيل

أردوغان العائد من جديد

07 نوفمبر 2015

كانت توقعات استطلاعات الرأي تعطي حزب العدالة والتنمية تقدما طفيفاً لا يزيد على نقطتين عما تحصل عليه في الانتخابات السابقة التي أجريت قبل خمسة أشهر.. النتيجة التي توصل إليها العدالة كانت مفاجئة للجميع وتحديدا للمراقبين من الخارج، إذ كانت أغلب التحليلات تشير إلى عجز العدالة والتنمية عن الاستمرار بنفس الزخم الذي انطلق فيه منذ العام 2002 تاريخ وصوله للحكم في البلاد. حتى أن بعضهم كان يرى أن الإسلام السياسي يشهد أفولا واسعا ونهاية حزينة لطروحاته بعد أن أفلس سياسيا.. طبعا كانت النظرة أقرب إلى التمنيات أكثر منها تحليلا سياسيا رصينا، إذ يعلم القاصي والداني أن تركيا لم تكن قبل العدالة والتنمية شيئا يذكر في محيطها الإقليمي وتحديدا العربي. وأن القفزة الاقتصادية الهائلة التي جسدتها كانت على يد العدالة والتنمية الذي لم تنته بعد رزمة إصلاحاته المطروحة والتي منها الخطة الطموحة بالوصول إلى المنصب العاشر عالميا في قائمة الدول الأكثر نفوذاً مع اعتماده الكلي على التصنيع المحلي التام لكل حاجياته العسكرية من البندقية إلى الصاروخ والطائرة. لاشك أن الناخب التركي اختار الاستقرار على النكد الذي عاشه المجتمع التركي خلال الشهور الخمسة الماضية حيث عجزت المعارضة عن تشكيل تحالف أو جبهة قوية في مواجهة الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم. كما عجز العدالة والتنمية عن تشكيل الحكومة منفردا، وبقي أسيراً لما تتقاذفه رياح الإقليم الهوجاء التي زادت من حدة القلق عند الناخب التركي. ولعل أكثر مما أخاف الناخب التركي هو عودة حزب العمال الكردستاني إلى المواجهة المسلحة مع الدولة بعد انهيار عملية السلام. هي جملة من الأسباب كانت كفيلة بأن يحسم الناخب التركي أمره لاسيَّما المترددين الذين كانت الرؤية غير واضحة لديهم بين رغبتهم في دعم أردوغان وحزبه وبين الإصغاء لدعوات المعارضة التي كانت تحذر من انهيار الديمقراطية وتحول البلاد إلى دكتاتورية جديدة على يد "السلطان أردوغان"، ومن تابع الإعلام الغربي وجزءاً من الإعلام العربي يلمس بوضوح حجم القلق من أردوغان وحزبه. في الملف السوري ورقتان تقلقان تركيا، ورقة داعش الذي يحاول أن يضرب في العمق التركي متى ما تسنى له الأمر، وهنا ترغب تركيا بالتعاون مع كل مخابرات العالم لوقف أذاه والحيلولة دون تمدده، وهناك ورقة الأكراد والإدارة الذاتية التي طرحها أكراد سوريا الذين يتلقون دعماً أمريكيا وروسياً، يضاف له اتهام تركي لإيران بشكل غير رسمي بالتعاون مع الأكراد لخلق جبهة متوترة في تركيا وهو ما يعني عمليا نسف البناء الداخلي للمكونات الإثنية في تركيا. جميعها تحديات تفرض نفسها على السياسة الخارجية التركية أيا كانت الحكومة التي تديرها. ومع دخول روسيا الصراع في سوريا، سقط مشروع المنطقة العازلة التي كانت تركيا تدافع عنه وتروج له بين عواصم العالم. وأضحت خياراتها تجاه الأزمة السورية مرتبطة بمواقف حلفائها الولايات المتحدة، بعض دول الاتحاد الأوروبي، السعودية، قطر. والأرجح أن تنظر تركيا للخطوات التي سيقدم عليها اللاعبون الحلفاء والخصوم في الأزمة السورية على أن يكون دورها ضمن تحالف وثيق وثابت، وألا تعمل منفردة، مع التأكيد أن أي حلّ للأزمة السورية من دون أخذ مصالح تركيا بالاعتبار فلن يكتب له القبول. فهي تملك نفوذا متزايداً على الفصائل المحاربة وتحديدا في الشمال. ومع تحول الأزمة السورية من وجهة نظر أردوغان إلى احتلال خارجي مباشر وهو يؤثر على أمن تركيا والتوازنات الداخلية فيها ويهدد حلمها بالتوسع بما يتناسب مع تنامي قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياحية. لا تريد تركيا أن تخسر روسيا، وهي حتى اللحظة لا تعرف ما إذا كان بوتن يريد إبقاء الأسد في السلطة بأي ثمن أو يفاوض عليه. وبالتالي المطلوب المزيد من التريث وتقطيع الوقت والعمل دون تسخين الجبهات بشكل سريع ومفاجئ.