11 نوفمبر 2025

تسجيل

رسائل من هيوستن (4)..حدائق بلا زوار.. وزوار بلا حدائق!

07 نوفمبر 2014

لعل أكثر ما شدني في هيوستن تلك الحدائق العامة التي تتوزع على مساحة هذه الولاية الأمريكية، واتساع الرقعة الخضراء، ولكن ورغم وجود هذه الحدائق وهذه المسطحات الخضراء لم أشاهد إلا القليل من الزوار.هذه المشاهد ذكرتني بمشاهد الحدائق العامة والمساحات الخضراء في الوطن العربي، حيث يتمنى المواطن في أغلب الدول العربية أن يجد حديقة عامة يقضي وأسرته بعض الوقت فيها، ولكن مع الأسف نجد أغلب دولنا العربية تفتقر إلى مثل هذه المتطلبات البيئية الضرورية.وهنا لا أريد أن أتحدث عن فوائد الحدائق العامة أو المسطحات الخضراء من حيث الصحة البدنية أو النفسية، فهذا الأمر معروف للجميع لما للحدائق من فوائد جمة، سواء من ذلك الأوكسجين النقي أو من حيث متعة النظر وكذلك الفوائد الاقتصادية الأخرى مثل تلك الأشجار المثمرة.ولكن سأتحدث عن أهمية هذه الحدائق للحفاظ على الهوية العربية والإسلامية، فقد اهتمت أمم العالم القديم بالغطاء النباتي اهتماماً شديداً وبارزاً وسخرت الجهود الكبيرة في علوم الحياة الطبيعية والهندسية والفنية، وأن أي حضارة من حضارات الأمم كانت تقاس بقدر التطور في صناعة علم الحدائق ومن بين هذه الحدائق القديمة البابلية والآشورية والفارسية والصينية واليونانية وحدائق العرب في اليمن وتدمر والحيرة، وكان للعرب قبل وبعد الإسلام نظرة متميزة ومفهوم خاص للعناية بالحدائق وقد ارتفعت هذه الصناعة إلى بعد حضاري كبير بعد الإسلام وهذه المعلومات اقرأها الآن وأكتبها من عدة مواقع على الإنترنت ولا أدعي أنني خبير في هذا المجال.وتضيف هذه المواقع أن العرب المسلمين قاموا في كافة أرجاء الدولة العربية الإسلامية بإنشاء جنات دنيوية يلمح فيها بريق الفردوس السماوي ونضارته التي وعد بها الله عز وجل عباده الصالحين، وكأنما أرادوا أن يتخيلوا جنات الخلد وجنات النعيم التي وضعها الله في كتابه الكريم بالظل الوارف على الأرائك.. والماء الجاري في الجداول.. والثمار الدانية القطوف.. وعبير المسك وغيرها من الخيرات.اليوم نشاهد أن هذه الحضارة العربية والمتمثلة في حدائقها ومساحاتها الخضراء تتعرض للتشويه بل وتتعرض للاندثار وفقدت العنصر العربي الحيوي الذي ميزها عبر التاريخ، عنصر العلاقة المتناسقة بين البيئة العمرانية بمبانيها ومنشآتها، وبين بيئتها الطبيعية بعناصرها المختلفة ونشاهد أن المباني والحدائق في بعض المدن العربية تأثرت بالطابع الغربي، وهذا بحد ذاته يهدد الهوية العربية وهنا تقع المسؤولية في الحفاظ على هذه الهوية العربية – الإسلامية على عاتق البلديات في الوطن العربي، ولكن ورغم ذلك نجد أن الغرب أخذ من حضارتنا البيئة تلك المساحات الخضراء فقط دون الأخذ بجماليات الحدائق العربية التي تميز الأمة العربية والتي لم يبق منها إلا القليل في الوطن العربي.. وهذه الصفة الجمالية الخضراء في الحدائق العامة الغربية متوافرة بكثرة وشاهدتها في هيوستن بالذات وتمنيت أن أشاهدها في بلداننا العربية والتي تعاني اليوم من تدمير وتقطيع وتصحير تلك المساحات الخضراء بسبب الاعتداءات المتكررة للبناء وإقامة القصور والفلل والتي تخلو من الحدائق أيضاً.إن الحدائق العامة والمسطحات الخضراء ليست مفيدة فقط للصحة البدنية والنفسية والاقتصاد، وإنما أيضاً للحفاظ على الهوية وهنا لابد أن نحافظ على هويتنا العربية من خلال الحفاظ على تراثنا العربي – الإسلامي في فن الحدائق وجمال المسطحات الخضراء.