15 سبتمبر 2025

تسجيل

"حزب النداء" أمام معضلة الشراكة في الحكم

07 نوفمبر 2014

ضرب الزلزال الانتخابي الخارطة التونسية بقوة يوم 26أكتوبر الماضي، في أول انتخابات ديمقراطية ونزيهة أجريت في البلاد بعد الثورة، فحصل «حزب نداء تونس» على المرتبة الأولى بنحو 85 مقعداً من أصل 217 عدد المقاعد في البرلمان التونسي، واحتل حزب«حركة النهضة الإسلامية» المرتبة الثانية بنحو 68 مقعداً، ولم يتحصل الحزب الثالث «الاتحاد الوطني الحر» المتشكل حديثا بعد سنة 2011، والذي يملكه الملياردير التونسي سليم الرياحي إلا على 17 مقعداً. من المنطقي أن الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد، وهو في هذه الحالة «حزب نداء تونس» هو المعني مباشرة بتشكيل ائتلاف ليحصل على الأغلبية (109مقاعد من 217)، لكن الحزب له 85 مقعدا فقط، فهو مطالب بالتحالف مع أحزاب أخرى للحصول على 24 مقعدا أو أكثر لكي يحصل على الأغلبية النسبية في البرلمان المقبل. ورغم أن «حزب نداء تونس» هو الفائز، فإنه في ورطة انتخابية، لأنه لا يمكن أن يحكم بمفرده. لاشك أن هذا السؤال يهيمن اليوم على قيادات «حزب نداء تونس» وأن لديهم الآن سيناريوهات متعددة تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الموضوعية التي أفرزها الصندوق. يتمثل السيناريو الأول في إقامة تحالف ديمقراطي عريض، يضم «حزب نداء تونس» (85)، و«حزب آفاق تونس»(8)، وفسيفساء من الأحزاب والمستقلين(16)، لكن هذا التحالف الديمقراطي الليبرالي سيكون حتما هشاً وقابلا للانفجار في كل أية لحظة، نظرا لأنه سيسير في نهج الليبرالية الرأسمالية المتوحشة. السيناريو الثاني، أن يتحالف «حزب نداء تونس(85) مع «الجبهة الشعبية»(15 مقعدا)، و«حزب آفاق تونس»(8)، و«حزب المبادرة» (4)، وهو ما سيمكن من تحصيل (112 نائبا)، وإذا بدا الأمر منطقيا بلغة الحساب، فإن ذلك غير وارد سياسياً على اعتبار سقف المفاوضات التي ستلتحق على قاعدتها الأحزاب المشكلة للحكومة المقبلة، وهو سيعيد إلى الأذهان قضية المحاصصة الحزبية لاقتسام غنيمة السلطة. وفضلاً عن ذلك، فالتوجهات الليبرالية لهذه الأحزاب الفائزة، باستثناء الجبهة الشعبية، تثير المخاوف لدى المواطن التونسي، لأن الليبرالية الاقتصادية التي تنشدها هذه الأحزاب، وإعادة هيكلة الاقتصاد التونسي، ستكونان لهما تداعيات خطيرة ومنتظرة على نحو 70% من المواطنين التونسيين.أما السيناريو الثالث، فيكمن في تحالف«حزب نداء تونس » مع «حزب الاتحاد الوطني الحر»، وهذا التحالف مستبعد لاعتبارات سياسية ولطبيعة تموقع حزب سليم الرياحي. السيناريو الرابع والأخير، ويتمثل في تقاسم السلطة بين «حزب نداء تونس» وحركة النهضة، وهو التقاسم الذي أسسه اللقاء التاريخي بين الشيخين راشد الغنوشي والباجي القائد السبسي في باريس في 13 أوت 2013، إذ تتفق حركة النهضة وحزب نداء تونس على نمط التنمية السائر في نهج العولمة الليبرالية المتوحشة. وعلى هذه القاعدة يتفقان أيضا في نسج علاقات التبعية لمراكز النفوذ السياسية والاقتصادية الرأسمالية المؤثرة في العالم. ولكن ذلك لا يمنع وجود صراعات بينهما الآن – ولفترة أخرى من الوقت – مدارها احتكار الحكم السياسي والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي من جهة ونوعية النموذج القيمي الاجتماعي للحياة العامة الحضارية والثقافية للشعب التونسي.غير أن هذا السيناريو مرهون بدعم «حركة النهضة» لترشح الباجي القائد السبسي في الانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم 23 أكتوبر الجاري، مما سيتطلب من أنصار الحركة الإسلامية التصويت للباجي القائد السبسي كي يفوز في الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى. وبذلك يتم تقاسم السلطة بين الباجي القائد السبسي كرئيس للجمهورية الثانية، وتشارك «حركة النهضة» في الحكم من خلال حصولها على رئاسة البرلمان، وبعض الوزارات الأخرى، فيما تسند رئاسة الحكومة إلى شخصية مستقلة مع عدد من الوزراء للأحزاب الفائزة في الانتخابات. لكن حركة النهضة تدرك أن قرارها سيرتهن مصيرها للسنوات الخمس القادمة، فهي لا تزال مترددة بين إستراتيجيتين، أحلاهما مر، إستراتيجية البحث عن الشراكة في الحكم، وهذا يقتضي منها دعم المرشح الباجي القائد السبسي في الانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم 23 نوفمبر الجاري، لكي يفوز من الدورة الأولى، وإستراتيجية الصدام مع «حزب نداء تونس» من خلال الانخراط بصفة فاعلة وقوية ضد مرشح نداء تونس ومساندة شخصية بعينها مع ما يستتبع ذلك من حدّة الخصومة السياسية، حيث إن هذه الإستراتيجية الصدامية ستخلق لها صعوبات جمّة بعد هذا الاستحقاق الانتخابي لإيجاد قاعدة تفاهم مع نداء تونس وذلك أيا كانت النتيجة النهائية للسباق الرئاسي.. وهذه الصعوبة ستزداد ولا شك في حالة هزيمة المرشح المسنود من قبل الحركة الإسلامية. المحللون التونسيون المطلعون على خبايا حركة النهضة، يعتقدون أن الشق الغالب داخل مجلس الشورى يدافع عن ضرورة مقاومة تغوّل نداء تونس وسعيه للاستفراد الكلي بمراكز القرار الأساسية في قصر قرطاج والقصبة وقبة باردو.. وهذا يقتضي ضرورة تعديل نتائج الانتخابات التشريعية بقطع طريق قرطاج أمام قائد السبسي بداية باختيار مرشح جدي والأفضل أن يكون وفاقيا لمنافسة رئيس نداء تونس وثانية بنزول الحركة بكل ثقلها من أجل كسب رهان الرئاسية وبذلك تجبر حركة نداء تونس على التفاوض معها من موقع الضعف النسبي لا القوة التي كانت ستحصل عليها لو أصبح قائد السبسي الرئيس الجديد لتونس. لقد آن الأوان، بعد الزلزال الانتخابي، أن تدرك القوى السياسية التونسية الديمقراطية، أن الديمقراطية في تونس لم تعد تجدي معها توفيقية باتت مستهلكة مستنفدة، وأنها لن تتبلور إلا عبر الصراع والتناقض وليس عبر توافق طوباوي مفترض، أو تسويات سياسية تعيد إنتاج النظام السابق. فقد تميزت الانتخابات التونسية بتأثير المال السياسي الفاسد، ولجوء الأحزاب الكبيرة إلى الرشاوى لشراء ذمم الناخبين، وهو ما قاد إلى هيمنة حزبين يمينيين هما «حزب حركة النهضة» (فرع الإخوان المسلمين في تونس) و«حزب نداء تونس» الذي أسسه في 2012 رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، والوريث الشرعي للحكم الذي أطاحت به انتفاضة 17 ديسمبر 2010/14 يناير 2011 وكانت حكومة السبسي قادت تونس خلال المرحلة الانتقالية الأولى التي أعقبت الثورة، وانتهت بتنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي حصلت فيها «النهضة» على 89 مقعداً. وباتت القوى الديمقراطية التونسية في حاجة إلى اجتراح مشروع مجتمعي جديد وخارج عن هذا الاستقطاب الثنائي(النهضة ونداء تونس) يكسر البنى التونسية التاريخية المتكلسة ويمهد لفكر ديمقراطي جديد وإنسان تونسي جديد.