08 أكتوبر 2025

تسجيل

لسنا سوى بدو نعيش في صحراء

07 نوفمبر 2013

نشرت صحيفة بلينر زايتونغ الألمانية مقالاً كتبه عضو البرلمان الألماني السابق يورغن تودنهوفر بتاريخ 6 أكتوبر 2013، ذكر فيه أنه تولى شخصياً إيصال طلب إيراني إلى الإدارة الأمريكية في 26 أبريل 2010، ينص على التالي:1- تتقدم إيران بضمانات موثقة وحقيقية تتعهد فيها بعدم تصنيع القنبلة الذرية، ومن بين تلك الضمانات التزام الحكومة الإيرانية بعدم تخصيب اليورانيوم لأكثر من 20% المخصصة للأغراض الطبية.2- الاستعداد للوصول إلى اتفاق مرضٍ مع أمريكا حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.3- استعداد إيران للمساهمة البناءة في إيجاد حلول للصراع في أفغانستان والعراق.4- الاستعداد للتعاون مع أمريكا لمحاربة الإرهاب العالمي بأفكار وإجراءات ملموسة.نصت الورقة الإيرانية، كما ذكر الكاتب أيضاً، على أن إيران تريد السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها طلبت أن تكون المفاوضات على أعلى مستوى وعلى أساس الندية بعيداً عن الضجيج الإعلامي، كما اقترحت أن يكون وزير العدل الألماني السيد شوبل هو الوسيط لترتيب هذه المفاوضات.لم نعد، نحن في العالم العربي، نرى صورة العلاقات الإيرانية الأمريكية بشكل واضح، كأن هناك ضباباً كثيفاً عليها يمنعنا من سبر أغوارها ومعرفة كنهها والتأمل في تفاصيلها، فهل هذا ضباب طبيعي أم أنه مصطنع؟دأبت إيران على مدى عقود طويلة في شيطنة الولايات المتحدة الأمريكية وتصويرها على أنها الشيطان الأكبر الذي أفسد في الأرض ولم يسمح لها بالتقدم والتطور، وعلقت على هذه الشماعة الكثير من الإخفاقات الإجتماعية والإقتصادية الملطخة بدماء الضحايا، ومازال عوام الناس يصرخون بهذا الشعار في المساجد وخلال صلاة الجمعة في حالة دائمة من اللطم والشعور بالمظلومية التي تغذي النظام بالحياة، في صورة مخالفة تماما لما يجري من لقاءات وخطابات بين المسؤولين في البلدين.لا تستطيع إيران بعد عقود من عمليات غسيل الدماغ الممنهجة ضد الشيطان الأكبر أن تغير هذا الأمر بشكل مفاجئ، ولكنها تستطيع أن تحاول تغيير الأمر تدريجياً ابتداء من إزالة اللافتات التي تندد بدور الشيطان الأكبر في دمار العالم من شوارع طهران وخفض النبرة العدائية لهذا الشيطان في وسائل الإعلام الرسمية ومن على المنابر والحسينيات.إن البند الثاني من قائمة الطلبات الإيرانية مرعب بالنسبة لنا، بل هو وصفة واضحة لقتلنا، فعن أي مناطق يتحدثون إن لم نكن نحن جزءاً من الأوراق التي يلعبون بها ويتبادلونها؟لم يقل لنا كاتب المقال ما الذي حصل بعد أن أوصل الطلبات الإيرانية إلى الإدارة الأمريكية، فهل قبلت؟ هل تعطلت؟ هل تأجلت؟إن مبادرة روحاني الأخيرة والمحادثات الهاتفية غير البريئة بين الطرفين تقنعنا بأن هذه المبادرات الإيرانية قد وجدت آذانا صاغية في واشنطن، بل إن تغير الموقف الأمريكي من الأزمة السورية يؤكد ذلك.حاولت أن أبحث عن نتائج زيارة رئيس وزراء العراق نوري المالكي الأخيرة إلى واشنطن، فما زلت أعتقد أن لها دوراً في مسألة التقارب الإيراني الأمريكي، فالمالكي لا يهرول عبثا كما نقول، بل إن لتحركاته أهدافاً ليست البراءة جزءا منها، خصوصا بعد سلسلة المذابح التي أحدثها في العراق والتي سبقت زيارته، فالحديث عن الإرهاب لن يكون مقنعا إن لم تسبقه تفجيرات وجثث مقطعة لتكون دليلاً عليه.مرت المدن العراقية قبل زيارة المالكي الأخيرة بسلسلة تفجيرات أخذت معها حوالي 600 روح، حملها معه المالكي في حقيبته وأخرجها كوثيقة تثبت صدق حديثه عن الإرهاب ووجوب مقاومته، مع أن كلمة الإرهاب لا تخرج في وسائل الإعلام إلا عند الحديث عن السنة، أما عندما تقوم بذلك المجموعات المتطرفة الشيعية فيتم استخدام مصطلح (مجاميع مسلحة) وعلى ذلك فإن المالكي طوال حديثه عن الإرهاب كان يتحدث عن الإرهاب السني بالتحديد، ناسيا أنه وعصابته يملكون وينظمون إرهاب الدولة ضد مكون كبير من الشعب العراقي الذي يعاني من التهميش والقتل والتنكيل والتشريد.لم يتحدث موقع البيت الأبيض عن هذه الزيارة سوى في أربعة أسطر لا تعطي القارئ شيئا عن نتائج الزيارة وأسبابها، ولكن الصحف الأمريكية أوضحت في كثير من تحليلاتها ومقالاتها أسباب هذه الزيارة، على الأقل في جانبها المعلن.فالمالكي جاء يستعطف الإدارة الأمريكية للحصول على طائرات أباتشي العمودية وعلى طائرات ف 16 المقاتلة، بالإضافة إلى طلب مساعدتها في مكافحة (الإرهاب) الذي تعاني منه العراق، وجميعنا يعلم أن الحصول على مثل هذه الأسلحة المتطورة يتوجب وجود العديد من المدربين والتقنيين الأمريكان بعقود طويلة الأجل، ومع ذلك لم تحتج طهران على ذلك أبدا، بل إنها هي التي تكون قد أمرت المالكي بهذه الزيارة للتأكيد على رغبتها في تحقيق البنود المذكورة أعلاه، فإن كان هناك ثمن للتقارب الإيراني الأمريكي فستضع طهران يدها في جيب المالكي لإخراج هذا الثمن.هذه هي السياسة بشكلها الخبيث التي تحسن إيران اللعب فيه، ولكن السؤال هو: لماذا ليس لنا دور فيما يحدث حولنا؟، لقد تحولنا إلى بيادق على رقعة الشطرنج الإيرانية الأمريكية، وسيعبثون بنا كما يحلو لهم، فلسنا في نظرهم سوى بدو نعيش على صحراء وضعت الصدفة تحتها نفطا لا نحسن استغلاله.