17 سبتمبر 2025

تسجيل

المعلوم وغير المعلوم في الانتخابات الأمريكية

07 نوفمبر 2012

نظرا لأن تاريخ كتابة هذه المقالة يسبق الإعلان عن نتيجة الانتخابات الأمريكية، فإن غير المعلوم الأساس فيها هو اسم الرئيس الأمريكي القادم. فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي سبقت إجراء الانتخابات تقاربا كبيرا بين المرشحين، صحيح أن هذه الاستطلاعات كانت تميل بنسبة طفيفة لصالح باراك أوباما، إلا أن نظام الانتخابات الأمريكي يسمح للمرشح الحاصل على عدد أصوات أقل أن يفوز بمنصب الرئيس وذلك إذا حصل على أغلبية أصوات مندوبي الولايات. ولذا فإن محاولة توقع من سيكون المرشح الفائز لا تبدو أمرا سهلا. أما المعلوم فيما يخص هذه الانتخابات، على وجه الترجيح وليس اليقين بطبيعة الحال، فهو الشكل المحتمل لعلاقة الرئيس القادم بأنظمة الربيع العربي. ويمكن استقراء طبيعة هذه العلاقة من سجل تعاطي الحزبين الأمريكيين الكبيرين مع المنطقة. صحيح أن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ثابتة إلى حدٍّ كبير ولا تتغيّر كثيراً من إدارة إلى أخرى، وهي تشمل حماية أمن إسرائيل وتأمين تدفّق النفط وتأمين الممرات المائية والجوية أمام خطوط الملاحة والطيران الأمريكيين، فإن هناك تبايناً كبيراً في السياسات التي ينتهجها الرؤساء الديمقراطيون والجمهوريون من أجل الحفاظ على هذه المصالح. فالديمقراطيون بشكل عام يميلون إلى التدخل غير المباشر واستخدام الحد الأدنى من القوة المسلحة. أما الجمهوريون فلا يترددون في سبيل تحقيق المصالح الأمريكية عن التدخل المباشر وفرض الإرادة الأمريكية بالغزو العسكري إذا لزم الأمر. وإذا كانت الخبرة المعاصرة للسياسات التدخلية للجمهوريين ترتبط بمواقف الرئيس جورج بوش الابن إزاء كل من العراق وأفغانستان، فإن سجل التدخل الجمهوري في المنطقة لا يبدأ عند بوش الابن، فقد تبنى الجمهوريون سياسات تدخلية مباشرة ومسلحة في سياقات سابقة كثيرة؛ فبوش الأب آثر الخيار المسلح في حرب تحرير الكويت، كما اتخذ الرئيس ريجان قرارات متعددة بالتدخل المسلح في ليبيا، وتدخل الرئيس نيكسون لدعم إسرائيل بالسلاح في حرب أكتوبر، كما سجلت إدارة الرئيس أيزنهاور أكبر عدد من محاولات التدخل في ظل إدارة واحدة، كما حدث في تدخلها في الأردن وفي لبنان فضلاً عن تدخلها السري في إيران للإطاحة بحكومة مصدق. أما الديمقراطيون وعلى العكس فقد كانوا يميلون إلى التدخل غير المباشر أو التدخل العسكري المحدود، ومثال ذلك الدور السلبي الذي قامت به إدارة جونسون (أو على الأقل هذا ما أعلنته) إبان العدوان الإسرائيلي في عام 1967 على كل من مصر والأردن وسوريا، وكذا الدور الذي قامت به إدارة كلينتون في محاصرة العراق من دون شن حرب فعلية ضد نظام الرئيس صدام، وأخيرا الطريقة التي لجأ إليها الرئيس أوباما لتصفية خصومه من خلال عمليات محدودة وخاطفة، كما فعل في إطار عملية التخلص من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والداعية اليمني أنور العولقي. وبناء عليه يتوقع أن يستمر الديمقراطيون حال فوز مرشحهم في سياسة التأثير عن بعد، وتغليب أساليب الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على التدخل العسكري المباشر، وهذا ما أكده باراك أوباما في حملته الانتخابية من خلال دعوته إلى استئناف التفاوض في الأراضي الفلسطينية، وإدماج أنظمة الربيع العربي في المنظومة الاقتصادية العالمية من خلال تسهيل منحها القروض، والاستمرار في تقديم المساعدات الاقتصادية حتى للأنظمة التي انقلبت على الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة مثل مصر وتونس. أما فيما يتعلق بالجماعات والأنظمة المعادية للولايات المتحدة فمن المتوقع أن تتجنب الإدارة الديمقراطية الدخول معها في مواجهات موسعة، وأن تؤثر الاقتصار على أسلوب الضربات المحدودة أو الحصار الاقتصادي. أما الجمهوريون فيظهر من خطاب مرشحهم أنهم يريدون استئناف برنامجهم القائم على فرض الهيمنة الأمريكية بالقوة المباشرة، فقد صرح رومني أكثر من مرة أنه لا يريد أن يتحول الربيع العربي إلى شتاء، ويعني بذلك أن لدى الجمهوريين قلقا خاصا من سيطرة الإسلاميين على السلطة في دول الربيع العربي، وهو لهذا يؤيد التدخل المباشر لمساعدة الأصدقاء ومقاومة الأعداء كما يسميهم. كما يفضل الجمهوريون وضع شروط للمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لدول الربيع العربي بغرض التأكيد على مكافحة الإرهاب والتعاون مع إسرائيل، وهي نفس البنود التي كانت مطروحة من قبل في مشروع جورج بوش الابن بخصوص التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط. أما أبرز القضايا التي يتبين فيها الخلاف بين المرشحين، ومن ثم بين الحزبين اللذين ينتميان لهما، فتتعلق بالوضع في سوريا، فرغم تعهد كلا المرشحين بعدم التدخل المباشر لدعم الثورة السورية، على غرار ما حدث في الحالة الليبية، فإن الجمهوريين يبدون بشكل عام أقل قلقا من تداعيات التسليح الكامل لفصائل المعارضة السورية (المتوافقة مع الأهداف الأمريكية في المنطقة) ومن توابع التغيير الذي يمكن أن يحدث حال الإطاحة بنظام الأسد. الأمر المهم من وجهة نظرهم ألا يتمخض التغير عن وصول إسلاميين إلى الحكم في أعقاب ذلك. تعني هذه المعطيات أن إدارة جديدة بقيادة رومني ربما تواصل نهج الجمهوريين في التعاطي مع المنطقة وفقا لسياسة ضاغطة على حكومات الربيع العربي. فالتخلي عن الوجه المعتدل عقب مرحلة التنافس الانتخابي هو تقليد جمهوري قديم. صحيح أن الجمهوريين سيستخدمون أساليب براجماتية في البداية، ولكنهم سيحتفظون في أدراجهم بخطط للتدخل وقت اللزوم، الأمر الذي يهدد بجلب المزيد من عدم الاستقرار إلى المنطقة.