12 ديسمبر 2025

تسجيل

أجواء حرب على إيران

07 نوفمبر 2011

كل إيران، دولة وحكومة ومؤسسات وموارد، مجندة في البرنامج النووي، أما الحملات الغربية عليها لوقف هذا البرنامج فنجحت في مجال واحد: توفير الوقت اللازم كي تمضي إيران في تخصيب اليورانيوم وزيادة قدرات برنامجها، وبالتالي اقترابها أكثر فأكثر من إنتاج القنبلة. بل أتيح لها نقل المنشآت والمفاعلات ونشرها حتى لم يعد في الإمكان حصر أمكنتها على وجه الدقة، إذ يعتقد حاليا أنها عمت مختلف أنحاء البلاد أو أدخلت عميقا تحت الأرض أو في جوف الجبال. لم تعد تحصى المرات التي اصطنع فيها مناخ حرب وشيكة ضد إيران، ودائما كانت إسرائيل هي التي تدق الطبول ثم تسكت، وقد تطلب توترها مراراً أن يتدخل الحلف، الغربيون، ولا سيما الأمريكيون، لتهدئتها فتنتزع مقابل ذلك ثمنا يزيد من تسلحها كماً ونوعاً، وفي الوقت نفسه يصار إلى اتفاق دولي على رزمة جديدة من العقوبات لإيران، التي راكمت خبرة هائلة في التعامل مع العقوبات والتخفيف من انعكاساتها، ومن الواضح انه ما لم تحرم إيران من مداخيل النفط المصدر فإنها لن تشعر بأي أوجاع حقيقية، غير أن المسّ بمصدر الدخل الرئيسي هذا سلاح ذو حدين ولذلك تحاذر الدول الغربية الاقتراب منه. مرة أخرى، يقال إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، ثمة مناسبة هي تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أيام ويتوقع أن يفيد بأن إيران أحرزت تقدما كبيرا في برنامجها، أي أنها اقتربت من الحصول على سلاح نووي، فالمصادر التي كانت تقول قبل عام أو عامين انه يلزمها أربع أو خمس سنوات للقيام بأول تفجير نووي تجريبي، تعتقد حاليا بأن المدة قد تقلصت، وفي غمرة الترويج لضربة عسكرية باتت المصادر الإسرائيلية تتحدث عن بضعة شهور، مما يحتم التحرك بسرعة وتتفاوت التوقعات من أي ضربة، فمنها ما يرجح أنها يمكن أن تؤخر البرنامج أو تعطله لبعض الوقت، ومنها ما يريد أن تكون هناك ضربات متواصلة للتأكد من تدمير كامل البرنامج، وبين خيار الضربات الهادفة والمحدودة في العمق، وخيار الحرب الشاملة، يبقى الغموض حول قدرة إيران على الرد ونوعيته واحتمال فرض مناخ أزمة طويلة ستؤثر طبعا في الاستقرار الإقليمي وأسعار النفط، فضلاً عن إثارة النزاعات الداخلية في بلدان المنطقة. في العامين الأخيرين من ولاية جورج دبليو بوش كان هناك احتمال للحرب على إيران، إذ أن إدارته خاضت حربين في أفغانستان والعراق، لكنهما كانتا حربين مضمونتين سواء بالنسبة إلى سير العمليات العسكرية أو للنتائج المباشرة بدليل انهما اسقطتا النظامين بسهولة، إلا أن النقص في التخطيط والاستعداد للمرحلة التالية للحرب أوقع الولايات المتحدة وحلفاءها في مستنقعات لم تتصورها سابقا، ورغم وجود مبررات كافية لدى إدارة بوش، وكذلك وجود أنصار لاستهداف ايران داخل تلك الإدارة، فضل الرئيس المحارب ان يضبط نفسه وأن يوعز إلى سلطة الاحتلال في العراق مثلا بالتعايش مع النفوذ الإيراني المتغلغل بل بالتنسيق، والتعاون معه أحيانا، وهو ما بلغته إدارة خلفه باراك أوباما في السنة العاشرة لاحتلال أفغانستان عندما أقرت بضرورة التفاوض مع حركة "طالبان" علما بأن واشنطن أبدت أكثر من مرة انزعاجها من الدور الإيراني في أفغانستان، إنما بدرجة أقل من انزعاجها من الدور الباكستاني. رغم العقوبات المتتالية لم يختلف التقويم الأمريكي لـ"الخطر" الإيراني وللتداعيات الواسعة لأي حرب على دول الخليج العربي امتدادا إلى منطقة الشرق الأوسط، لذلك كان التفاوض هو الخيار الأسلم، لكن إيران برهنت أنها أكثر حذاقة في التفاوض من كل محاوريها، ربما لأن هؤلاء لم يأتوا إليها أصلاً بما يمكن أن يغريها فعلا، أو لأنهم اصطدموا بطموحات إيرانية أعلى كثيرا مما كانوا يتوقعون، ثم ان المفاوضات بدت وكأن هدفها قتل الرهينة والمفاوض معا، إذ كان المطلوب وقف البرنامج النووي وانتهاءه، وإذا انتهى فعلا فلا شيء يضمن لإيران أنها لن تكون مستهدفة بضربة عسكرية أو بحرب شاملة، ولذلك فهي أصرت على أن يكون الاعتراف بنفوذها الإقليمي مدخلا للتفاهم على إبقاء برنامجها النووي في إطار الاستخدام العلمي والسلمي تحت رقابة دولية. مع اقتراب الانسحاب الأمريكي من العراق وفشل المحادثات لإبقاء بضعة آلاف من الخبراء الأمريكيين لأغراض التدريب والمساعدة، برزت إلى الواجهة الفرضية التي ترجح الحرب على إيران، إذ قيل دائما أن حربا كهذه تبقى مستبعدة طالما أن هناك جنودا أمريكيين على الأرض العراقية، لكن باراك أوباما الذي تعهد بالانسحاب من العراق، ويدرس تسريع الانسحاب من أفغانستان، لم يفعل ذلك لأنه يخطط للذهاب الى حرب جديدة فيما هو منخرط في حرب اكثر ايلاما في الداخل وتتمثل بالازمة الاقتصادية التي تكاد تودي بحظوظه للفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض، الا ان ادارته الضعيفة على نحو غير مسبوق قد تمكن اللوبي الصهيوني من التأثير في قراراته، بذريعة أن ايران هي حاليا موضع اتهام بعمل ارهابي مفترض على الارض الامريكية وضد السعودية، فضلا عن ان الرأي العام العربي والإسلامي لم يفد في وضع متعاطف او حتى محايد حيال ايران بل انه يميل الى السلبية ضدها إما لدوافع مذهبية أو بسبب الطابع الاستبدادي لنظامها وقمعها الوحشي للمعارضين الإصلاحيين، مع ذلك سيكون من الصعب على اوباما أن يتخذ قراراً بالحرب، الا اذا تكثفت الضغوط عليه لوضعه امام "صفقة" ترجح اعادة انتخابه مقابل ضرب ايران. هذا ما يبدو ان اسرائيل في صدده، فهناك رئيس أمريكي ضعيف يمكن الضغط عليه، وهناك خطط عسكرية جاهزة منذ وقت طويل، وهناك "المعلومات" عن قرب حصول ايران على قنبلتها، فضلا عن وجود مناخ خليجي-شرق أوسطي يمكن استغلاله، وتسعى اسرائيل الى الحرب انطلاقا من مخاوفها من اجواء التغيير في العالم العربي وانعكاسات العزلة التي تعيشها على المستوى الدولي واحتمال أن تتحقق لإيران مكاسب من وضع كهذا، لذلك فهي تبحث عن أزمة كبرى تخلط الأوراق وتبدل مسار الأحداث في المنطقة، معتبرة ان أي حرب اقليمية لابد أن تزعزع موقف الفلسطينيين وسعيهم الى الاعتراف بدولتهم في الامم المتحدة كما انها ستحول الانظار عن الممارسات الانتقامية التي تقوم بها ضد السلطة الفلسطينية، لكن، يبقى السؤال عما إذا كانت الدول الكبرى مستعدة للانخراط في حرب تقررها اسرائيل، بل اسرائيل وحدها وبناء على مصالحها، ام ان التصعيد الحالي يريد فقط تأمين موافقة دولية (مع روسيا والصين) على دفع العقوبات لإيران إلى درجة أكثر إيلاماً؟.