17 سبتمبر 2025
تسجيلالأم هي التي تعبت.. وربت.. وسهرت الليالي من أجل القيام بدورها في المجتمع على أكمل وجه.. وهي التي لا تنام حتى ينام أخر الأبناء.. وتصحو من الصباح الباكر لتجهيز الأبناء والبنات قبل الذهاب إلى المدارس.. وهي التي لا تنام عندما يمرض أحد فلذات أكبادها.. إنها المدرسة كما قال عنها الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق وقال أيضا: الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَـعَهَّـدَهُ الحَـيَــا بِـالـرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّـمَـا إِيْــرَاقِ الأُمُّ أُسْـتَـاذُ الأَسَـاتِـذَةِ الأُلَـى شَغَلَـتْ مَـآثِرُهُمْ مَـدَى الآفَـاقِ وقال شاعر آخر: أمّي يا حبّاً أهواه يا قلباً أعشق دنياه يا شمساً تشرق في أفقي يا ورداً في العمر شذاه ◄ الأم مدرسة: نعم هي المدرسة التي تقدم العلم والتربية والنصائح الجمّة لأبنائها في آن واحد.. والنساء في هذا الميدان كثيرات في قطر.. فقد أنجب هذا الوطن الآلاف من أمثال هذه الرموز التي نفخر بها على الدوام ما حيينا.. ولا يوجد أجمل من قول: " الجنة تحت أقدام الأمهات ".. الأمومة أعظم هبة خص الله بها النساء. ◄ من هؤلاء القطريات الرائدات: في مضمار التربية والتعليم وبناء الشخصية الفقيدة والمرحومة – إن شاء الله - هيا بنت علي بن عمران الكواري التي لقيت ربها راضية مرضية يوم السبت 5 اكتوبر 2019 م بعد رحلة طويلة مع المرض.. فقد صبرت ورضت بقضاء الله وقدره حتى جاء يوم الوداع للقاء الباري عز وجل عليها رحمة الله. ◄ وللأمانة نقول: إن الوالدة هيا الكواري كانت من الأمثلة الحية للمرأة القطرية العصامية التي كانت أنموذجا للشخصية التي تربت على مبادئ الأخلاق والقيم الإسلامية الرفيعة والتمسك بعادات أهل قطر الأصيلة.. وهي مبادئ دائما ما تكون متواجدة في نساء هذا الوطن وبخاصة من جيل الأمس.. مثل: الصلاح وتربية الأبناء والسهر على راحتهم وحثهم على مواصلة التسلح بالعلم والتفوق فيه مهما كانت التحديات والصعوبات. حيث عرف عن الفقيدة أيضا حبها لأبنائها وبناتها بان يكونوا الأفضل في خدمة هذا الوطن وأن يتبوأوا أفضل الأمثلة من خلال حسن التربية والتمسك بالأخلاق الرفيعة والسلوك القويم لأجل رفعة اسم الوطن عاليا.. وهكذا كانت مسيرة هيا بنت علي الكواري طوال فترة حياتها.. كما أن زوجها الراحل أحمد بن راشد بن يوسف الجهام الكواري (المتوفى في أكتوبر 2013 ) أحد أبرز الشخصيات القطرية التي ساهمت في تأسيس الحركة المرورية في قطر منذ خمسينيات القرن الماضي.. ولنا أن نفخر به وبها عليهما رحمة الله ومن صدف الأقدار أن وفاتهما كانت في بداية شهر أكتوبر.. ويعد ابن الفقيدة يوسف بن أحمد الكواري من القيادات القطرية البارزة عربياً ودولياً التي تتبنى قيادة العمل الإنساني والإغاثي في دولة قطرعبر رئاسته لجمعية قطر الخيرية منذ سنوات وله جهود كبيرة لا تنسى في هذا الميدان وفي خدمة أهل قطر على وجه الخصوص.. أما والدها فهو الربان والنواخذة الشهير علي بن عمران بن حمد الكواري أبرز نواخذة الغوص وملاك السفن في شمال شرق قطر الساحلي وعاش في بلدة " الغارية " وكانت وفاته في بداية سبعينيات القرن الماضي في " فريق ابن عمران " الذي ينسب إليه لكونه أول من سكن في هذا الحي وهو من أحياء الدوحة العاصمة المعروفة. ◄ جيل لا يعوّض: وجيل أمهاتنا من الزمن الجميل قد لا يعوض بالفعل ولن يتكرر أبدا.. فذاك الجيل كان بمثابة العملة النادرة عندما كانت الأم تدبر بيتها من الألف إلى الياء دون الاستعانة بأي خادم أو خادمة.. بل كانت تعتمد على نفسها في تدبير أمور منزلها وتربية أبناءها فأخرجت لنا أفضل النماذج من الأولاد والبنات.. ولهذا نقول في لهجتنا الدارجة عبارة " فلانة طينة جنة " كناية عن طيب معدن المرأة القيادية والرحيمة بمن حولها في أخلاقها حتى شبهت بطين الجنة.. ومن الأمور النادرة أن تجد امرأة بهذا الصفة الطيبة لكونها فريدة من نوعها في تربيتها. ولهذا قال أحد الحكماء: " لَيْـسَ يَرْقَـى الأَبْنَـاءُ فِـي أُمَّـةٍ مَـا لَـمْ تَكُـنْ قَـدْ تَـرَقَّـتْ الأُمَّـهَاتُ ". ◄ وأمثال هؤلاء الرائدات: لابد من تخليد سيرهن وعطائهن في تاريخ سجلات هذا الوطن نظير ما قدمن من جهود وأعمال نادرة في مجال التربية والتعليم وبناء الأوطان خاصة أنهن خضن فترة حياة الآباء والأجداد بحلوها ومرها قبل اكتشاف النفط.. فقد كانت حياتهن القديمة مليئة بالمشقة بحثا عن حياة أفضل.. وعندما اكتشف النفط في قطر تبدلت الأحوال إلى خير عميم حتى سميت هذه الفترة بـ " سنة الخير " بحمد من الله وفضله. كلمة اخيرة رحم الله الوالدة الفقيدة هيا بنت علي بن عمران الكواري.. أحد أبرز النماذج للأم القطرية المثالية والصامدة في وجه الزمن.. والتي لن تمحى مسيرتها من الذاكرة.. ذاكرة قطر الاجتماعية.. وسنظل نعتز بها وبعطائها.. فإلى جنان الخلود والفردوس الأعلى يا «أم يوسف».. إنه سميع مجيب.. اللهم آمين. [email protected]