11 سبتمبر 2025

تسجيل

شراء الذمم وتمويل التظاهرات والإفلاس السياسي

07 أكتوبر 2017

صورة تثير السخرية والتعجب، ويندى لها الجبين؛ تلك التي نقلت لنا مظاهرة أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، المظاهرة قادتها مجموعة من الشباب الأفارقة يحملون يافطات وشعارات تدين قطر برعاية الإرهاب؛ الغريب في الأمر أن هؤلاء الشباب الأفارقة لو سألتهم عن قطر وموقعها الجغرافي ودورها السياسي عربيا ودوليا لا يستطيعون الرد ولا الإجابة ولا هم يعرفون شيئا عما يحدث في أزمة قطر. الأمر بكل بساطة أن هؤلاء الشباب تلقوا بعض النقود للقيام بالعملية. هذا ما وصلت إليه دول الحصار من انحطاط ومن أعمال غير أخلاقية يريدون بها إقناع الرأي العام الدولي بأكاذيب وإشاعات قد لا تصدقها حتى شعوبهم. دول الحصار مع الأسف الشديد ومنذ سنة 2014 دفعت عشرات الملايين من الدولارات لوكالات العلاقات العامة الدولية لشيطنة قطر وتشويه صورتها. النتيجة في نهاية المطاف هي الفضائح وانكشاف الحقيقة وفشل حملات التضليل والتعتيم والتشويه والبروباجندا. ما لم تفهمه دول الحصار هو أن معركة الرأي العام لا تكسب بالكذب وشراء الذمم وتمويل المظاهرات ودفع الملايين لوكالات العلاقات العامة للحصول على الحق بالباطل. ما يبنى على الباطل ينتهي بالفشل الذريع وبظهور الحقيقة إن آجلا أم عاجلا. اختراق قناة قنا ظهر من تسبب فيه بعد فترة زمنية وعلم العالم بأسره أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي التي كانت وراء القرصنة. ما تجاهلته دول الحصار هو أننا لا نستطيع تحقيق مطالب من خلال قرصنة وكالات الأنباء وشراء الذمم والصحفيين والمؤسسات الإعلامية والشباب العاطل أو الباحث عن إقامة في الدول الأوروبية أو طالب اللجوء السياسي. قال فضيلة الشيخ أحمد محمد البوعينين الأمين العام للاتحاد العالمي للدعاة إن ما يحدث في الأزمة الخليجية من فجور في الخصومة وما نسمعه من تشويه لسمعة دولة جارة ومن عمل مؤتمرات ودفع المبالغ وشراء الذمم هو سلوك غير جائز؛ لأنه بهتان عظيم.. لافتًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، عندما قالت عن صفية إنها كذا أي قصيرة، قال لها قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته والغيبة هي ذكر أخيك بما يكره وإن كان في أخي ما أقول فقد اغتبته وإن لم يكن في أخي ما أقول فقد بهته. وأشار إلى الفجور في الخصومة المرئية على وسائل الإعلام المختلفة والمؤتمرات والاجتماعات.. متسائلًا: لماذا كل هذه العداوة ولماذا كل هذا الكره؟ بعد فشل السعودية والإمارات الإعلامي، وانحياز الإعلام الغربي ضد موقفهما التحريضي وحملاتهما التضليلية والتشويهية ضد قطر لجأتا لإعلاناتٍ مدفوعة ضد قطر تتهمها بالإرهاب تبثها قنوات أجنبية بينها "إن بي سي"، وهو ما يدل على الهزيمة الإعلامية لدول الحصار. فاللوبي السعودي في الولايات المتحدة أطلق حملةً إعلانية تلفزيونية مدفوعة ضد قطر. وأشارت العقود المبرمة بين الطرفين أن لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية SAPRAC دفعت مبلغ 138 ألف دولار مقابل 7 مواقع إعلانية مدتها ثلاثون ثانية في القنوات المختلفة، وتقول الإعلانات التي بدأت تُعرض على قناة "إن بي سي 4" في 23 يوليو، إن "قطر تمول الإرهاب وتزعزع استقرار حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة"، وهي مزاعم أطلقتها دول الحصار منذ 5 يونيو الماضي. كما تم عرض أربعة إعلانات خلال "لقاء مع الصحافة"، وهو برنامج مقابلة الأخبار الأسبوعية التي يقابل فيها الإعلامي تشاك تود سياسيين رفيعي المستوى، ليست الإعلانات المدفوعة أول تجليات إفلاس دول الحصار السياسي ودفعها الأموال مقابل التحريض ضد قطر، منذ بدء دول الحصار حملتها التحريضية. فقد كشف تحقيق استقصائي لشبكة الإذاعة والتلفزيون في ألمانيا (في دي آر الألمانية) أن المتظاهرين الذين احتجوا ضد دولة قطر على هامش قمة العشرين في هامبورج بداية شهر يوليو الماضي، تلقوا أموالا وتلك التظاهرة أفردت لها وسائل إعلام دول الحصار مساحةً واسعة في تغطيتها، مع أن عدد المشاركين كان محدودًا بحسب ما أكدت القناة في تحقيقها وفي التفاصيل التي نشرتها القناة على موقعها الإلكتروني، فإن رجل أعمال مصريا مول الاحتجاج المزيف في إطار حملة التحريض ضد قطر، فاستأجر مجموعة من اللاجئين العرب في هامبورج للتظاهر، بمساعدة وسطاء. وقال أحد المشاركين، ويدعى أحمد وهو سوري يبلغ من العمر 30 عامًا، إن مصريين يدعيان عمرو وأحمد قدِما إليه في حديقةٍ قبل يومين وأعطياه ألف يورو، طالبين منه القدوم إلى تظاهرة ضد قطر وإحضار أصدقائه على أن يحصل كل شخصٍ على مائة يورو. وأضاف الشاب السوري أنه وعددا من الأشخاص من سوريا ومصر وإفريقيا وأيضًا عاملين في المرفأ حضروا التظاهرة، لكن المنظمين دفعوا أموالًا تكفي لمائة شخص فقط، فتحولت التظاهرة من مضادة لقطر إلى مناصرة لها. ورفع هؤلاء المحتجون لافتات تتهم قطر بدعم الإرهاب بمقابل مالي قدره مائة يورو لكل شخص. وبثت القناة الألمانية فيديو يُظهر تمويل التظاهرة وشهادات للمشاركين عن دفع الأموال لهم. منذ اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ونحن نعيش مظاهر وممارسات وتصرفات إعلامية تسيء لسمعة المهنة النبيلة، مهنة المتاعب ومهنة البحث عن الحقيقة. في أوقات الأزمات وفي أوقات الشدة من واجب الإعلامي المسؤول والنزيه والملتزم ألا ينجر مع التيار الجارف وألا يطنب في الافتراء والتضليل والتشويه وصناعة الواقع الذي يغاير الحقيقة تماما. ما لاحظناه هو بروباجندا جوبلز في الحرب العالمية الثانية والتي كانت تنطلق من مبدأ "أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى تصبح الأكذوبة حقيقة تكون أنت أول من يصدقها". فبدلا من تهدئة الأجواء واستعمال العقل والمنطق لاحظنا دخول المؤسسات الإعلامية في حالة وفي جو من التصعيد والتضخيم والتهليل، وكأنها كانت ترحب بهذا الوضع الذي لا يشرف دول الخليج ولا مجلس التعاون الخليجي. وهنا دخلنا في ثقافة نشر الفتنة وشحن الأجواء وصب الزيت على النار. وهذا النوع من الإعلام هو النوع السائد والذي يفتقد إلى البصيرة وبعد الرؤية والمنطق والعقل. فهو إعلام مع الأسف الشديد يهدم ويحطم أكثر مما يبني ويهدف إلى الخير والبناء والتشييد. فالفتن والحروب النفسية والدعاية والبروباجندا لا تخدم في نهاية المطاف البيت الخليجي ومجلس التعاون الخليجي، وإنما تصب في مصلحة الأعداء وكل من يتربص بالمنطقة. وانطلاقا من هذا يجب على الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الخليجية والعربية أن تكون في مستوى المهمة والحدث والرسالة لأن الوضع صعب وحساس ومصيري وبحاجة إلى مهنية عالية وأخلاق عالية والتزام كبير وضمير مهني في مستوى رهانات الحدث. فليعلم القائم بالاتصال أنه مسؤول أمام الله وأمام التاريخ؛ إذا شارك اليوم في التضليل والتزييف وإثارة الفتنة بدلا من التبصر والتعقل والبحث عن الحلول السلمية والرشيدة والتي تعود بالفائدة على الجميع وبأقل الأضرار سيندم غدا، وقد يسأله ابنه أو حفيده عن تصرف قام به يوما ما لا يشرفه ولا يشرف ضميره، ومهنة كان من المفروض أن تخدم الأمن والسلام والاستقرار وليس الفتنة والحصار.