11 سبتمبر 2025

تسجيل

أن تجعل من مخترعٍ "إرهابيًا"

07 أكتوبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); "أحمد محمد"، هو فتى مولع بالاختراعات الميكانيكية والإلكترونية، وينتمي لعائلة سودانية، تقيم في مدينة "ايرفينغ" بولاية "تكساس" بالولايات المتحدة الأمريكية، في أحد الأيام اخترع أحمد ساعة ميكانيكية مختلفة، وحملها معه إلى المدرسة، ليعرضها على معلمه. تفحّص المعلم الساعة بعيون تملؤها الحيرة، لِما شاهده من تمديدات كهربائية وأجهزة ميكانيكية معقدة. طلب المعلم من أحمد التوجه إلى صفه الدراسي، ووعده بمواصلة الحديث حول الموضوع لاحقًا، غمرت السعادة فؤاد أحمد، الرغب بالحصول على اهتمام معلميه، كأي طفل في هذا العالم.المخترع أصبح "إرهابيًا"!اعتبر معلمو الفتى السوداني المسلم، ذو الـ 14 ربيعًا، أن الاختراع ليس عبارة عن ساعة، بل هو "قنبلة موقوتة"، وتقدموا ببلاغٍ إلى الشرطة حول ذلك. اقتحمت الشرطة المدرسة، واعتقلت الطالب أحمد، الذي كان ينتظر بشوق التقدير من معلميه.. كبَّلت الشرطة يداه على مسمع ومرأى زملائه الطلاب، واقتادته إلى المركز.. وطبعًا تمت مصادرة الساعة أيضًا.خيّم الذهول على أحمد جراء هول المفاجأة، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل قامت الشرطة باستجواب الطفل، دون أن تسمح أو تمنحه فرصة إبلاغ عائلته أو محاميه، فضلًا عن معاقبته بـ "الإبعاد عن المدرسة لمدة ثلاثة أيام". انتشر الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، عقب نشر إحدى الصحف المحلية تفاصيل ما حدث. احتدمت النقاشات التي بدأت بتوجيه انتقادات للشرطة والمعلمين، واتهمتهم بـ "الجهل" لعدم قدرتهم على التمييز بين "الساعة" و "القنبلة الموقوتة"، وامتدت لتتناول مواضيع تمحورت حول "العنصرية" و "الإسلاموفوبيا"، إلى ذلك، أطلق بعض الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وسمًا بعنوان "أنا مع أحمد". تزايد حجم الدعم المقدم للفتى السوداني، بالتزامن مع تزايد سيل الانتقادات الموجهة للمدرسة والشرطة، فيما بدأت قضية أحمد، تستحوذ على مكانة مهمة، في أجندة كبريات وسائل الإعلام الأمريكية.اعتبرت الشرطة الأمريكية، اختراع الفتى المسلم الأسمر لساعة، بمثابة جريمة تستوجب العقاب، في الوقت الذي لم تعتبر فيه يومًا، قيام الأطفال البيض من غير المسلمين، بالتقاط صورٍ لأنفسهم وهم يحملون أسلحة آلية، على أنه جريمة أو جنحة تستوجب التحقيق والبحث. وجدت الإدارة الأمريكية نفسها مجبرة على التدخل في القضية، سيما أن الشارع الأمريكي لم ينس بعد حادثة مقتل مواطنين سود على يد رجال شرطة عنصريين، كما لم ينس الاحتجاجات التي قام بها السود ومنظمات المجتمع المدني المناهضة للعنصرية في مدينة "فيرغسون" (ميزوري)، احتجاجًا على مقتل شاب أسود على يد الشرطة. عندما تدفن أوروبا اللاجئين في مياه البحرلنعد قليلًا إلى الوراء، لنذهب إلى الدنمارك هذه المرة.قبل أسبوع واحد من غرق الطفل السوري "آلان الكردي" (3 أعوام)، والعثور على جثته الصغيرة، ملقاة على أحد شواطئ بحر إيجة، عثرت السلطات النمساوية على أكثر من 71 جثة، تعود للاجئين غير شرعيين، في شاحنة تُركَت إلى جانب أحد الطرقات، في منطقة قريبة من الحدود مع المجر. وقبل ذلك بفترة وجيزة، غرقت سفينة تحمل لاجئين قبالة السواحل الإيطالية، ما أدى إلى مصرع 400 منهم، حيث عثر على جثث بعضهم ملقاة على السواحل الليبية. إن ما ذكر آنفًا من أعداد لا تشكل سوى نزر يسير من الأعداد الكبيرة للاجئين، الذين في البر وفي البحر، على مدار السنوات الأربع الماضية، وهم يبحثون عن الأمان والحياة الآدمية الكريمة.فيما هزّت صورة الطفل السوري "آلان" مشاعر العالم، كانت الشرطة الدنمركية تتخذ إجراءات صارمة، لمنع تدفق اللاجئين من دول الشرق الأوسط عبر الحدود. أدت تلك الإجراءات وغير من الإجراءات التي اتخذتها بقية الدول الأوروبية إلى تزايد حدّة الانتقادات الموجهة إليها، محملة دول الاتحاد الأوروبي مسؤولية أزمة اللاجئين المستمرة، والتي أدت ولا تزال إلى موت عشرات الآلاف منهم، إما غرقًا في مياه البحر المتوسط أو على الأسلاك الشائكة التي أقيمت لإبعاد اللاجئين عن حدود أوروبا. وفي خضم كل هذه التطورات، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بصور أظهرت مصورة صحفية مجرية، تعتدي بالضرب على لاجئين، حيث ضربت طفلة وركلت لاجئًا آخر يحمل ابنه، وأوقعتهما أرضًا. كل تلك الأحداث دفعت الدول الأوروبية نحو اتخاذ قرار بالتحرك، ولكن كيف؟دعونا نتوقف هنا، ونعود إلى الولايات المتحدة.أوباما يعرب عن دعمه لـ "أحمد" و "ناسا" تعده بالفضاء شهدت قضية المخترع السوداني أحمد، التي أثارت تصدعات خطيرة في المجتمع الأمريكي (العنصرية والإسلاموفوبيا)، تدخلاً مفاجئًا، حيث نشر الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، رسالة دعم للطفل السوداني قائلًا "ساعة جميلة يا أحمد هل تريد إحضارها إلى البيت الأبيض؟"، وكتب أيضًا "علينا تشجيع المزيد من الأطفال أمثالك ليحبوا العلوم، هذا ما يجعل من الولايات المتحدة عظيمة؟". إلى جانب ذلك، وجهت "هيلاري كلينتون" والعديد من السياسيين رسائل دعم لأحمد، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لقيت قضية أحمد دعمًا من قبل القائمين على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وشركة "جوجل"، ووكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ومعهد "ماساتشوستس" للتقنية، حيث قدموا للطفل السوداني دعوة لزيارة مؤسساتهم، أصبح أحمد فجأة محبوب من قبل الجميع. رحب العالم بالدعم الذي لقيه أحمد من البيت الأبيض والمؤسسات الأكثر شعبية في الولايات المتحدة والعالم، في الوقت الذي لا تزال فيه الكثير من المؤسسات تعرب عند دعمها لأحمد، حتى أثناء كتابتي لهذه السطور.دعونا نعود إلى أوروبا.الشرطة الأوروبية ووجهها الإنساني!تعرضت أوروبا لسيلٍ من الانتقادات، على خلفية تصريحات أطلقها زعماء أوروبيون، حول عزمهم إجراء تعديلات على قوانين اللجوء، فيما يخوض اللاجئون غمار مأساة تدمي القلوب وتقض مضاجع الضمائر الحية، وفي خضم النقاشات التي تناولت تلك التصريحات غير المقنعة، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا من الدنمارك، لشرطي يجلس على طريق معبّد، ويلاعب طفلة من اللاجئين. بدى الشرطي في الصورة بمظهر مفعم بالإنسانية. انهمرت عليه - بعد انتشار تلك الصور – عروض الزواج، من كل أصقاع الأرض، طبعًا لا نعرف إن كان الشرطي متزوجًا أم لا، أو إن كان يرغب بالزواج أم لا، إلا أننا نعرف بأن الشرطي المشار إليه، قدم للعالم الوجه الإنساني لأوروبا. ما الذي حدث في الولايات المتحدة؟في الواقع، لعبت الأقلية السوداء والمسلمة دورًا كبيرة في إظهار قضية المخترع السوداني "أحمد محمد"، من خلال نشاط مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع فريق الاتصالات السياسية المحيط بـ "أوباما"، بكتابة الرسالة التي وجهت لأحمد، كما طلب الفريق نفسه من الشركات الكبرى، بتوجيه رسائل في الإطار ذاته، ذلك لأن الفريق المشار إليه، كان متخوف من ازدياد التصدعات الاجتماعية داخل المجتمع الأمريكي، سيما وأن الشرطة الأمريكية، قتلت في الأشهر الثلاثة الماضية، نحو 300 "أسود" من مواطنيها، إضافة إلى 3 مواطنين آخرين قتلوا برصاص الشرطة الأمريكية، في اليوم الذي وجه فيه "أوباما" رسالة إلى الطفل السوداني. إلا أن حدث مقتل المواطنين الثلاثة المشار إليهم، لم يلق أي صدى ولم يحمل قيمة خبرية في وسائل الإعلام الأمريكية. إلى ذلك، شارك أحمد في أحد البرامج التلفزيونية ولخص قضيته قائلًا: "اسمي أحمد محمد، ولوني أسود، تم اعتقالي من قبل الشرطة الأمريكية لأنني مسلم أسود، لو كان لوني أبيض لما اعتقلتني الشرطة، آمل أن لا يتعرض الآخرون لما تعرضت له". وفي السياق ذاته، قال والد أحمد ومديرو اتحاد مسلمو أمريكا، إن ما تعرض له أحمد من اعتداء ناجم عن الشعور بالكراهية والخوف من المسلمين (الرهاب الإسلامي - إسلاموفوبيا)، ما هو إلا حادثة واحدة من الحوادث اليومية التي يتعرض لها المسلمون في الولايات المتحدة، والتي تبقى طي الكتمان ولا تتناقلها وسائل الإعلام. ما الذي حدث في أوروبا بعد ذلك؟لم يتمكن أحد من معرفة المعلومات الشخصية الخاصة بالشرطي الذي انتشرت صوره في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ولم يتساءل أحد عن الطريقة التي انتشرت فيها صورة الشرطي بهذه السرعة، وهل فعلاً تلقى عروضًا للزواج. لقد تدخلت الدبلوماسيات العامة في الدول الأوروبية، وضخت العشرات من الصور في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بهدف إظهار مدى إنسانية الشعوب الأوروبيين وحجم تفاعلهم من أزمة اللاجئين. وفي الواقع، فقد أغلقت الدنمارك حدودها بشكل تام، بعد 4 أيام من التقاط صورة الشرطي ونشرها، ولربما عاد الشرطي الذي نشرت صوره، إلى وظيفته الأساسية وشارك في عمليات منع اللاجئين من العبور إلى الدنمارك. إن أنباء اللاجئين الذين تم وضعهم في مخيمات وغرف لا تليق ولا تصلح للاستخدام الآدمي، لتكرس مأساة اللاجئين ومعاناتهم في ظل الجوع والمرض، لم تحمل قيمة خبرية بالنسبة لوسائل الإعلام الأوروبية، بالقدر الذي حملته صورة الشرطي الدنماركي، بل وحتى لم يقم أحد بالتحقيق في الأنباء التي تحدثت عن قيام الشرطة الإيطالية واليونانية، بثقب القوارب المطاطية التي تقل لاجئين، وإغراقها عمدًا. لم يحقق أحد في تلك الأنباء، ولم يشعر أحد بالحاجة للتحقيق في خفاياها.الدبلوماسية العامة في العالم الإسلاميإن الأنشطة التي تجريها الدبلوماسية العامة في الولايات المتحدة وأوروبا، تجعل تلك البلدان بمنأى عن النقد، والإصابة بالصدوع الاجتماعية الخطيرة، فضلًا عن أنها تشكل غطاءً للانتهاكات التي تجري دون توثيق ودون أن يشعر بها أحد. بفضل تلك الأنشطة، بات العالم كله مقتنعًا بأن الحكومات الغربية تشكل نبراسًا لـ "الضمير الإنساني والتراحم!". أنظروا إلى الولايات المتحدة التي حولت مخترعًا إلى "إرهابي"، ثم حولت "الإرهابي" إلى "بطل"، وإلى أوروبا التي عملت على إخفاء قبح سياساتها في التعامل مع اللاجئين وتصنيفاتها التي تخلو من الأخلاق، بستار "الشرطي الحنون"، ثم إنظروا إلى العالم الإسلامي، الذي لا يمتلك القدرة على شرح قضيته والتعريف بالأسباب التي دفعت سكانه لأن يكونوا لاجئين، إلى العالم الإسلامي الذي يقف عاجزًا عن إسماع صوته للعالم. هل ينبغي علينا أن نغضب من الغرب أم علينا أن نتحسر على أنفسنا؟ صدقوني لم أعد أعرف.