29 أكتوبر 2025
تسجيلفي ذكرى لا تفخر بها مصر فقط وإنما كل الأمة العربية نظراً للبطولات الأسطورية التي حققها الجيش المصري على إسرائيل كنا نود ألا نرى الدم، ولا الرصاص، ولا عشرات القتلى، ومئات المصابين كهدية رمزية في يوم احتفال مصر بانتصار جيشها العظيم، لكن يبدو أن الدم يدعو الدم والشهية مازالت مفتوحة لمزيد من القتل، ويبدو أيضا أن صلاحيات القتل الممنوحة لقوات الجيش والشرطة بلا حدود ولا قيود، ولقد أحزنني شاب يصرخ قائلاً ويداه ملطختان بدم رفيقه الذي سقط ميتاً (لا ده مش جيشنا ده جيش إسرائيل)، والله محزن جداً أن يقول مصري هذا، لأن الجيش المصري البطل ابن مصر لا يقتل ناسه وأهله، بل كان قهره، ورصاصه، وقنابله ضد العدو المجرم الذي تلقى لطمة صاعقة مازالت توجعه حتى اليوم، محزن جداً أن أرى على شريط الأخبار أن أعداد القتلى تتزايد لتصل حتى كتابة هذا المقال 34 قتيلاً ومئات من الإصابات الخطرة! لماذا القتل؟ كل المراد ألا يصل المتظاهرون إلى الميادين! ولماذا لا يصلون؟ لأن وصولهم بالمسيرات الضخمة التي تخرج يحرج السلطة ولأن كل هذه الحشود ترفض العسكر، طيب اما كان من طريقة غير القتل؟ لا، القتل هو الطريقة الوحيدة لردع كارهي حكم العسكر! وهل يرتدع المتظاهرون ويرجعون؟ المصيبة أنهم لا يرجعون، ألفوا شكل الدم المراق، وحمل شهدائهم إلى المستشفيات أو المقابر! طيب ما العمل وقد كسر المتظاهرون حاجز الخوف، بل وقد ذبحوا الخوف؟ لا عمل ولا أمل، سيظل الرصاص يلعلع، والخرطوش يزغرد، والقتلى يسقطون، والمسيرات مستمرة لا تكل ولا تمل إذ للشباب مطالب لا يحيدون عنها وهي باختصار رفض حكم العسكر. إذن سيظل الحال على ما هو عليه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. ** طبقات فوق الهمس * احتفلت قوات الجيش والشرطة بذكرى 6 أكتوبر بطريقتها الخاصة، رصاص حي، وخرطوش، وقنابل غاز، هدية بسيطة بمناسبة الانتصار العظيم. * مؤلم أن تعود ذكرى النصر العظيم لجيش عظيم وقد نقرش الدم الشوارع، وكأن اللون الأحمر أزهار يهديها المنتصرون للشباب الأعزل! * مشهد شهداء أمس يذكر القلوب المكلومة بمئات سقطوا بنفس الرصاص في رابعة، الفرق أن جثث أمس نجت من الحرق ومن جرافات تجرفها مع مخلفات الموقعة. * خوفاً على حياته أوقف مبارك حكاية الاحتفال بنصر أكتوبر حتى لا يناله مثل ما حدث للسادات، أمس تحديداً كانت هناك مبالغة في الاحتفال -الذي كان مليئاً بالعروض، والرقص، والنط والقفز واشتراك الكشافة مع هدية 1000 جنيه لكل مركز شباب يشترك في الاحتفالات بجميع المحافظات، (العصفورة) تقول إن احتفال الكشافة هذا العام تم بناء على خطاب تكليف من الوزير موجه إلى كل مديريات الشباب وذلك للمساهمة في إجهاض دعوة التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب للاحتشاد بالقاهرة يوم السادس من أكتوبر لإسقاط الانقلاب! * المستشار (أحمد المسلماني) يعرف جيداً أن حرية التعبير حق لكل مواطن، ولطالما أكد على هذا الحق في برنامجه (الطبعة الأولى) لذا يندهش كثيرون من نعت المتظاهرين المطالبين بالشرعية بالعملاء لمجرد أن لهم موقفاً من العملية السياسية، المتظاهرون ليسوا عملاء، بل هم مصريون وعيب جداً أن يتم تخوينهم وهم شرفاء! * ما المزعج في أربعة أصابع مسالمة مرفوعة في شعار رابعة حتى يتم القبض على صاحبها؟ * أين المجلس القومي للطفولة الذي ادعى أن الإخوان اختطفوا النساء وأجبروهن على البقاء في رابعة واستنكروا بشدة وجود أطفال بالاعتصام؟ أين المجلس من أطفال تم اعتقالهم وإيداعهم السجون مع فئة المجرمين؟ * بعد الحديث عن (الأذرع الإعلامية للانقلاب) يرى البعض أن كثيراً من الإعلاميين المحرضين الشارع على الاشتعال لا يستحقون أن يكونوا أذرعاً بل يليق بهم أن يكونوا ذيولاً. * يقول أستاذنا فهمي هويدي أملاً في التهدئة (أتمنى من الناس ابتلاع أحزانهم)، ولأستاذي أقول: الأحزان لا تبتلع، الأحزان تظل معلقة بين العين ودمعتها، والقلب ووجعه، والروح وأنينها، الأحزان عصية على الابتلاع واسأل أي حزين فارقه حبيبه لتعرف كيف تعتصر الأحزان القلوب! * يتحدث البعض عن صفحة جديدة لابد أن تفتح، وخلاص ما فات مات. هذا الكلام قد تقوله أو أقوله لرأب الصدع الفادح لكن هل - من قلوبهم مازالت تنزف وقد فقدوا فلذاتهم وأحبتهم يمكن أن يعتنقوا -رغم حروق قلوبهم – "اللي فات مات"؟ * أسئلة تمر على الخاطر كلما تعقد حبل الأحداث المتسارعة، هل التحول الديمقراطي ولادة متعسرة في مصر؟ وهل الإرادة الشعبية عصية فعلاً على الكسر؟ وآشتون ماذا تريد من مصر ومن الذي استدعاها؟ * في ذكرى العبور تحتاج مصر إلى عبور نفسي إلى حيث فضاءات يتنفس فيها الجميع بأمان وراحة. * في ذكرى نصر أكتوبر مهم ألا تكون الذكرى احتفالات راقصة فقط، وإنما أن تكون غاية وعظة، وأن تكون مناسبة لتحية الجيش العبقري الذي كسر شوكة وأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر متخطياً خط بارليف المنيع بتضحيات أسطورية ليعيد لمصر العروبة عزها، وزهوها، وعزتها، مهم أن تكون ذكرى انتصار أكتوبر مناسبة لدفن الخلاف، واجتماع الكلمة، وإحقاق الحق، وتضميداً لكل الجروح الغائرة التي شوهت مصر الجميلة، مهم أن تسدل الستائر على كل الأحزان الكاوية التي أوجعت مصر وناسها، ليتنفس الناس عزة، وكرامة، وحرية، حفظ الله مصر من كل سوء.