02 نوفمبر 2025

تسجيل

تركيا والأكراد ومشكلة "الذهنية"

07 سبتمبر 2013

دمغ حزب العمال الكردستاني بعملياته العسكرية ضد الجيش التركي اللحظة التركية الراهنة. وتخطت الحساسية القومية بين القوميتين التركية والكردية كل حدود. عادت تركيا إلى المربع الصفر. وهي عودة خطيرة لأنها تجيء من جانب سلطة كان يؤمل منها أن تشق نهجا جديدا في التعامل مع المسألة الكردية مختلفا عن كل الأحزاب والحكومات السابقة. وكان حزب العدالة والتنمية قد أعطى الأمل في ذلك عبر رزمة إصلاحات واسعة تطال الحريات وتعزيز النظام الديمقراطي وتلبية تطلعات كل المكونات الاجتماعية. وإذ نجح الحزب في بعضها ولو لفترة قصيرة غير أنه لم يخلق الأساس المتين لإحداث خرق في معظمها وفي مقدمها المسألة الكردية. ورث رجب طيب أردوغان حدودا آمنة مائة في المائة مع سوريا عندما وصل إلى السلطة في نهاية العام 2002. وكان الأمان قد بدأ في نهاية العام 1998. وبعد سنتين أطلق أردوغان اعترافه الشهير بوجود "قضية كردية" في تركيا. كان آخرون من رؤساء الحكومات السابقين قد سبقوه إلى الاعتراف بذلك من طورغوت أوزال إلى سليمان ديميريل وطانسوه تشيللر ومسعود يلماز.وكانت كل اعترافاتهم خداعا وحبرا على ورق. مع أردوغان كان الأمل بترجمة الاعتراف أكبر باعتبار أنه كان يريد المضي بخطى ثابتة على طريق الاتحاد الأوروبي ويريد إضعاف المؤسسة العسكرية التي كانت من أكبر المحرضين على اعتماد الخيار العسكري لحل المشكلة الكردية. لكن المشكلة كانت صادمة إذ إن تقدم تركيا على خط المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي قد توقف بعد العام 2005 ولم يعد من أولويات حزب العدالة والتنمية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.ليس لأن الاتحاد يضع شروطا تعجيزية أو لا يريد دولة مسلمة بل لأن "الدولة" في أنقرة سواء كان يحكمها علمانيون أو إسلاميون كانت ترى على الدوام خطورة في التقدم على الطريق الأوروبي لأنه يلزمها بترجمة استحقاقات على أصعدة حساسة من بينها، وليس وحدها، القضية الكردية. لذلك كانت الحكومات التركية تطلق وعودا للتهدئة والتسكين وسرعان ما تتراجع عنها مختلقة أعذارا بل مشكلات أمنية لتبرير التراجع. منذ العام الماضي ورئيس الحكومة التركية يعلن تراجعه عن وعوده. سحب الاعتراف بوجود مشكلة كردية في تركيا وقال إنها مشكلة مواطنين أتراك من أصل كردي.وقبل أيام سحب الاعتراف حتى بوجود مشكلة مواطنين أتراك من أصل كردي وقال إنه توجد في تركيا فقط مشكلة إرهاب. انحاز أردوغان إلى النهج القائل بأن حل المشكلة يكون عسكريا وأمنيا. ولأن النهج الجديد - القديم يقول بالحل الأمني فقد تحرك القضاء لينزع الحصانة عن نواب أكراد لكي ينتهي المطاف إلى ما كان عليه الوضع في التسعينيات من حملات عسكرية شديدة وطرد نواب من البرلمان إلى السجن وإخلاء الساحة للدم المراق. لذلك ليس من الموضوعية النظر إلى المواجهات المستجدة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي على أنها مرتبطة بالوضع في سوريا أو دعم النظام السوري لحزب العمال الكردستاني.هذا بعض من المشهد الحالي. لكن عمليات حزب العمال كانت موجودة منذ عام 2007 وما بعده حين كان شهر العسل بين أردوغان والأسد قائما.والعمليات كانت تنطلق ولا تزال من شمال العراق حيث السيطرة لسلطة مسعود البرزاني وحيث كانت الكلمة الأولى لقوات الاحتلال الأمريكي. ويستفيد حزب العمال الكردستاني دائما من الظروف الإقليمية منذ منتصف الثمانينيات لكن العقدة الأساسية موجودة في أنقرة.ومن يتابع الكتاب الأتراك،المعادين للنظام السوري،ومنهم جنكيز تشاندار وحسن جمال ومحمد علي بيراند وغيرهم، يدرك أن العنوان لحل المشكلة هو حكومات أنقرة منذ بداية العهد الجمهوري عام 1923 وحتى هذه اللحظة. المشكلة الموجودة في تركيا لا تتعلق بوضع في سوريا أو في شمال العراق أو في توتر مع إسرائيل التي ترتجي أيضا تحريك التوتر داخل تركيا.بل هي في الذهنية الإنكارية التي لم تستطع بعد كل هذه العقود أن تطوّر نظرتها إلى أسباب الاستقرار والعدالة، والكامنة في الاعتراف بالآخر.وهي مشكلة متجذرة في "الدولة" التركية منذ أتاتورك إلى أردوغان، وتشمل النظرة إلى "كل الآخر" في الداخل التركي وبات يشمل،في الآونة الأخيرة، أيضا "الآخر" خارج تركيا. ودون تذليل ذلك مراحل ستصطبغ بالدم والدموع ولن تنتهي إلا وفق النموذجين العراقي والسوداني.لأن الواحد منا لم يعرف بعد كيف يعيش مع أخيه في الوطن متساويا في الحقوق والمواطنة والهوية والإنسانية.