14 سبتمبر 2025

تسجيل

حلم المسرح الخليجي

07 سبتمبر 2012

واقع المسرح العربي مغلف بالضبابية، إلا أن إيمان المؤمنين بدور وأهمية ورسالة المسرح يواصلون عطاءهم وفي كل الاتجاهات، لم يستسلموا للواقع أو يتركوا الساحة أو يتواروا أو ينهزموا، بل واجهوا كل التحديات والعقبات واجتازوا كل الصعاب لذا فمازال هناك بصيص من الأمل عبر بعض الفعاليات ومنها هذا المهرجان الحلم في إطاره الخليجي. بالعودة إلى حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان الحضور المسرحي العربي مشعاً عبر العديد من العواصم، في بغداد ودمشق قرطاج والقاهرة وغيرها من المدن، وسجل المسرح العربي حضوره، وطرحت تلك الحقبة نجوم اللعبة وبرزت الاتجاهات المختلفة في الكتابة والرؤى الإخراجية كان فواز الساجر، سعد الله ونوس، كرم مطاوع، عز الدين المدني، صقر الرشود، عبدالرحمن المناعي وغيرهم كثرة، هم فرسان تلك الحقبة، وظهر العديد من التيارات تحت مسميات عدة مثل "مهرجان المسرح التجريبي" في قاهرة المعز هذا بخلاف فرق عربية حاولت أن تخلق تواصلاً مع المسرح، في الأردن عبر فوانيس، وفي المغرب عبر اجتهادات عبدالكريم بورشيد ورفقاء الدرب، أو عبر صرخات يوسف ادريس في القاهرة وغيرهم، جل هذه الحركات دفعت بأحلام أبناء المنطقة هنا خطوات مهمة ومؤثرة إلى الأمام، بل وساهم في ظهور جيل مسرحي يحمل على عاتقه أداء دوره المنوط به، وقدم نجوم اللعبة ذواتهم إلى الآخر، وسجلوا في حاضرة المسرح العربي العديد من الأعمال المسرحية كان الأكثر إشعاعاً في تلك الفترة المرحوم صقر الرشود بجانب رفقاء الدرب مثل عبدالرحمن المناعي، ناجي الحاي، عبدالكريم جواد، وغيرهم ممن قدموا أطروحات تلامس ذائقة الإنسان العربي. ولأن التطور من سنن الحياة فقد ظهر جيل آخر يكمل رسالة الرعيل الأول ويطرح أحلامه وطموحاته، وابتعد عن نبش وطرح القضايا الاجتماعية الآنية، كان الاهتمام الجمعي بقضية الإنسان، وظهر الكاتب الذي ينبش في الذاكرة الجمعية لإنسان هذه المنطقة، كتاب يحملون رؤى وأفكاراً وأطروحات متعددة، بل إن المؤلف أصبح يعيش صراعاً يومياً من أجل قضية الإنسان، الإنسان المطحون في لعبة التحديات وهكذا تم طرح القضايا الكونية بدلاً من قضايا الأسرة واستحضار نماذج أصبحت جزءاً من الماضي مثل تعدد الزوجات والزواج بالإكراه على سبيل المثال لا الحصر، الطرح الجديد لم يكن أحادي الاتجاه، بل شمل التراجيديا والكوميديا ذلك أن الهم هو الإنسان، سواء كان عبر رؤية الفنان غانم السليطي أو الكاتب إسماعيل عبدالهه، في المسرح القطري كان الفنان يبحث عن طرح جديد ومغاير، كان الفنان ناصر عبدالرضا يبحث عن لغة جديدة وطرح يشكل لعبة مسرحية تجذب المتلقي إلى المسرح، والتقى بمن مهد الطرق لأحلامه، وإبراز الطاقات الخلاقة لديه، كان الطريق شبه ممهد، عبر فكر وإبداعات إسماعيل عبدالله، امتزجت رؤى كليهما معاً وصاغا إطاراً مسرحياً ينبش الماضي ويطلق صرخة احتجاج على واقع مر ولكن آثاره باقية، عبر لعبة احتفالية رائعة، كان ناصر عبدالرضا يرى في شخوص وأحداث إسماعيل عبدالله طرحاً مغايراً للمألوف وأن دور المسرح لديه أكبر بكثير من دغدغة مشاعر الجمهور. كان اللقاء في "مجاريح" وحصد كلاهما ثناء عشاق المسرح وتجدد اللقاء في "البوشية" عبر أهازيج وأغان ارتبطت بذاكرة كل الأجيال وعبر مضمون إنساني، ذات بعد فلسفي في البوشية، يتم طرح قضية الثروة والجاه والانتماء للأسرة ذات الشأن مقابل كل ما يناقض تلك الهالات، حيث الصراع غير المتكافئ في شكله البسيط، صراع القوة والضعف هذا التضاد هو محور هذا العمل، ولكن السؤال أين تكمن القوة وأين الضعف؟ ناصر عبدالرضا أخذ بتلابيب الشخوص والأحداث وأسبغ رؤيته الخاصة وحدد معالم اللعبة عبر نجوم اللعبة في قطر "ناصر، فيصل، فاطمة" وفرقة شعبية تمتزج آهات المشاركين فيها مع صرخات التحدي من "جواهر" وتصدح القديرة فاطمة شداد عبر فضاء المسرح بمعاناة الإنسان أينما كان. إن هذا المهرجان الخليجي رئة يتنفس من خلالها أبناء المنطقة أحلامهم وآمالهم بغدٍ مسرحي يلامس ذائقة الإنسان وحلقة وصل بين الأجيال لذا فلا غرابة من أن تفرز خلال سنوات قصار من عمر الزمن هذه الكوكبة من المبدعين الذين يحملون لواء المسرح الخليجي الآن، بل ويسجلون في حاضر المسرح العربي أسماءهم، ذلك أن أسماء: إسماعيل عبدالله، محمد العامري، جمال الصقر، شادي عاشور، ناصر عبدالرضا وغيرهم يحملون لواء التجديد لمسرح خليجي ساهم الرعيل الأول في إنارة الطريق للأجيال المتعاقبة. عبر إيمان كل المؤمنين بدور وأهمية المسرح، نقول مسرحنا بخير بفضل المؤمنين بذواتهم أولاً وقدرتهم على التحدي ومواصلة ما بدأوه ثانياً وقدرتهم على اجتياز كل الصعاب ثالثاً مسرحنا بخير لأنه يتنفس عبر عشاقه نسائم التجديد والتطور.