20 سبتمبر 2025
تسجيلأهم المشاكل البطالة و الزيادات السكانية وضعف النمو يخطئ من يعتقد أن وراء الانتفاضات العربية أسبابا سياسية فقط مرتبطة بمصالح وتحديات قوى الداخل والخارج. فالحريات والديمقراطية وحقوق الشعب هي في غاية الأهمية لكنها ناقصة أو غائبة عربيا منذ زمن طويل. طبعا، وجع الشعوب زاد مع الوقت وطال الانتظار لتطبيق الإصلاحات الموعودة التي بقيت في معظم الأحيان حبرا على ورق. هنالك أنظمة عربية عديدة وضعت نفسها خطأ في زاوية قاتل أو مقتول، وهذا عجيب وغير منطقي إذ في السياسة ليس بالضرورة أن يكون هنالك دائما خاسرا ورابحا. يمكن للأنظمة العربية أن تصل إلى حلول وسطى بالتعاون والحوار مع المعارضة برعاية إقليمية أو دولية. لا يمكن لأي حكم في عالمنا اليوم، مع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، أن يستمر طويلا عبر القمع والعنف. ما هي لذة الحكم والحكومة بل جدواهما إذا ارتكزا على جثث الشعب والقمع؟ فمن يحكمون؟ ما هي أهداف هذا الحكم؟ وحدهما الحوار والتعاون يوصلان إلى النتائج الفضلى. الحوار ليس سهلا وهو عملية مستمرة في كل المجتمعات ويتطلب الصبر وحسن النية والكثير الكثير من الأفكار الجيدة الخيرة. من الناحية الخارجية، طبعا هنالك مصالح دولية وإقليمية تريد إحداث التوتر بل المشاكل في العالم العربي. إلا أنها لا يمكن أن تنجح لولا وجود ظلم مزمن، وبالتالي نعود إلى ضرورة حل المشكلة الداخلية بحيث يفشل الخارج عندها في التحريض على الفوضى. هنالك خلل سياسي كبير وأكيد في عالمنا العربي، وهذا الخلل ربما هو الأعلى والأخطر حاليا عالميا. أيضا، لم نستطع كمجتمعات عربية أن نعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية رغم وجود ثروات كبرى في المنطقة وطاقات بشرية لم يحسن استغلالها وتوظيفها في العديد من الأحيان. بقي العالم العربي عموما متخلفا في معظم المؤشرات الاجتماعية والإنسانية وهذا غير مقبول. في مؤشرات التنمية الإنسانية وضمن الدول الخمسين الأولى، هنالك 4 دول عربية فقط هي الكويت والبحرين وقطر والإمارات وجميعها تملك قدرات مالية متفوقة. هنالك هجرة أدمغة مزمنة تفقد الدول أفضل ما عندها، ولا يستفيد الداخل منها إلا قليلا عبر التحويلات والتقاعد. فالأزمة المالية العالمية وإن لم تضرب الاقتصادات النامية والناشئة مباشرة بما فيها العربية، أثرت على مستقبلها وتطورها ليس فقط في أسواق المواد الأولية والنفط وإنما في كل القطاعات. لذا فالتأثير مؤكد في نسب النمو وعلى الموازنات وتطور القطاعات المالية. حتى في المؤشرات المالية البديهية التي تبتعد كثيرا عن السياسة، لم يتطور العالم العربي كغيره من المناطق. في عدد الفروع المصرفية لكل مائة ألف بالغ يصل المؤشر إلى 14.3 في العالم العربي مقابل 15.8 في أمريكا اللاتينية و33.4 في الدول الغربية. في مؤشر عدد حسابات الودائع المصرفية لكل مئة ألف راشد، يصل الرقم إلى 744 عربيا مقابل 1395 في أوروبا الوسطى والشرقية و1117 في دول شرق أسيا والمحيط الهادئ و2383 في الدول الصناعية الغربية. بالنسبة لعدد حسابات القروض المصرفية لكل مائة ألف راشد، يصل الرقم إلى 213 عربيا و367 في أمريكا اللاتينية و702 في العالم الغربي. لا يمكن أن ننكر وجود تقدم مع الوقت، ومن أهمه اقتناع المصارف العربية أكثر فأكثر بأن إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة مربح رغم ضعف الشفافية والهيكلية المالية وهو يقارب 8% من المجموع. في قطاع التأمين الذي يلعب دورا كبيرا في التطور المالي والاقتصادي ويشير إلى نضج الأسواق والرأي العام ومدى تقييمه للمخاطر التي تواجه الإنسان في حياته وصحته وأملاكه، يبقى متأخرا عربيا خاصة في قطاع الحياة. في نسب أقساط التأمين على الحياة من الناتج المحلي الإجمالي، تصل إلى 0.37% في مصر و0.07 في السعودية و0.98 في لبنان ومعدل 0.28% لكل المنطقة العربية مقارنة ب 1.6% لدول شرق آسيا و0.7 لأمريكا اللاتينية و4% للدول الصناعية. في أقساط التأمين على مجموع الأمور الأخرى بما فيها الآليات والإنشاءات والنقل، تصل النسبة من الناتج إلى 2.18% في لبنان و0.67% في قطر و 1.38% في تونس و1.34% في الإمارات ومعدل 0.97% للمنطقة العربية (منها 45% للآليات) مقارنة ب 1.7% في أوروبا و1.3% في أمريكا اللاتينية و2.3% في الدول الغربية. في عدد شركات التأمين، هنالك 36 في البحرين و26 في السعودية و54 في لبنان و57 في الإمارات أي معدل 25 شركة في العالم العربي (منها 4 فقط متخصصة في التأمين على الحياة) مقارنة بمعدل 179 شركة في الدول الغربية (منها 106 متخصصة في التأمين على الحياة). أهم مشاكل العالم العربي هي البطالة النابعة من الزيادات السكانية وضعف النمو لاستيعابها، كما لغياب السياسات المحفزة على العمل. في نسب الزيادة السكانية السنوية، يأتي الأردن في المرتبة التاسعة عالميا واليمن في ال 13 وسوريا في ال 26 والسودان في ال 35 وجميعها تعاني من المشاكل الاجتماعية الخطيرة. ليس المطلوب فقط تخفيض الزيادة السكانية عبر التوعية، وإنما وضع السياسات المناسبة لاستيعابها ولتوظيف اليد العاملة إيجابا في المجتمع والاقتصاد. ليس المطلوب فقط تطوير الضمانات الاجتماعية من صحية وغذائية للعاطلين عن العمل، وإنما إيجاد الحوافز والفرص لانتقال الشباب والشابات إلى الإنتاج. لا يمكن للإنسان أن يكون مسرورا أو مكتفيا إذا تؤمن له فقط الأكل والشرب والمسكن، بل يريد أيضا المساهمة في نهضة اقتصاد بلده ومساعدة الأجيال القادمة على تأمين موارد الرزق بحرية. لذا تنبع مشاكل العالم العربي أيضا من محتوى ومستوى التعليم الذي ينعكس سؤ توزع للمتخرجين مما يخلق جيشا عاطلا عن العمل وبالتالي متذمرا وناقما وغاضبا من الأوضاع والمسؤولين عنها. يؤدي سوء التوزيع التعليمي إلى ضعف الإنتاج العلمي والأدبي وهو الذي يضع أي دولة في خريطة العالم المتطور والمتقدم. لا يكفي أن ننفق كثيرا على التعليم وهذا يصل إلى مستويات عالية في بعض الدول العربية كتونس والسعودية واليمن، وإنما يجب إعادة النظر دوريا بالمحتوى للتأكد مع اقتباسه للتقدم التكنولوجي والثقافي الحاصل عالميا وليس فقط إقليميا. في الأنفاق على الغذاء والصحة تكمن نفس المشكلة أي إنفاق كبير نسبة للناتج ومؤشرات صحية دون المستوى المناسب مما يدعو إلى البحث في وجود فساد كبير أو سوء إنفاق أو هدر. في الإنفاق على البحث والتطوير ومن ضمن الدول الخمسين الأولى نسبة للناتج، تأتي إسرائيل في المرتبة الأولى وأمريكا في السادسة وألمانيا في العاشرة والصين في المرتبة 25 والأردن في المرتبة 35، مما يعني أن على الدول العربية الاستثمار أكثر في المستقبل أي مستقبل الأجيال القادمة. ينعكس هذا الواقع على عدد براءات الاختراع المسجلة كما على إنتاج السلع والخدمات الجديدة أي على الاستثمار في المستقبل. في المؤشرات التقنية أي عدد الحواسب ومشتركي الإنترنت وشبكات الخليوي تأتي بعض الدول العربية في الطليعة العالمية، إلا أن السؤال يكمن في استعمال هذه التقنيات أي هل تستعمل في الإنتاج والتواصل العلمي والأدبي أم في الاستهلاك والتسلية والاجتماعيات؟ في المسابقات الرياضية، ورغم وجود أشخاص ذو كفاءة عالية في العديد من الألعاب إلا أننا لم نصل بعد إلى المستويات العالمية بسبب غياب الاستمرارية في التدريب والإنفاق الكافي على التحضير للمنافسة العالمية الجدية. أخيرا هنالك تشابه عربي في التعاطي الرسمي مع الأمور الشعبية الأساسية من اقتصادية واجتماعية وإنسانية تساهم مع الوقت في خلق طبقات شعبية رافضة غاضبة لا يمكن مواجهتها بالقمع، بل بمعالجة مطالبها المحقة وفتح صفحات جديدة من الشفافية والحوكمة وحسن الأداء. هذا إذا أردنا عربيا أن ننتقل إلى مصاف الدول الديمقراطية المتطورة التي تضع مطالب المواطنين في أولوية الأولويات ضمن السجون الصغيرة كما الكبيرة.