15 سبتمبر 2025

تسجيل

عودة الصراع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا

07 أغسطس 2015

عادت المسألة الكردية في تركيا مجدداً إلى دائرة الجدل الساخن بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، بعد الإختراق الانتخابي الذي حققه أكراد تركيا، الممثلين سياسياً بـ«حزب الشعوب الديموقراطي»، الذي أكسبته الانتخابات الرئاسية الماضية، حين خاض رئيسه صلاح الدين ديمرطاش، جرأة مثيرة للدهشة، تبدّت في اندفاعة سياسية عبّر عنها قراره خوض الانتخابات التشريعية يوم 7يونيو 2015 ضمن قائمة حزبية، حصراً، أي من دون أي مرشحين مستقلين، وتجاوزهم عتبة / فخ العشرة في المئة، التي من دون الحصول عليها، كان يمكن للحزب الكردي أن يبقى خارج التمثيل البرلماني بالكامل. وشكل حصول «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي على 12.84 في المئة من الأصوات، جعله الرقم الصعب في المعادلات الداخلية والإقليمية لتركيا. لكن التحول المثير في المشهد السياسي والعسكري التركي، تمثل في قيام تنظيم «داعش »الإرهابي بعمليات داخل الأراضي التركية، الأمر الذي جعل السياسة التركية تقوم بانعطافة كبيرة بعد طول معاندة نحو التحالف مع الولايات المتحدة ضد «داعش»، وتقديم قاعدة إنجرليك الجوية لها للمرة الأولى منذ العام 2013، فيما بدا للوهلة الأولى، مقايضة أنقرة الاشتراك بضرب «داعش»، بالحد الأدنى ومن دون حماس كبير أو تكثيف الغارات على مواقع التنظيم لا سيما في ممر جرابلس منبج الباب، الذي يمنع اتصال كانتون عفرين، ببقية الكانتونات الكردية، فيما يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضرب الأكراد و«حزب العمال الكردستاني» في العراق، بحماس منقطع النظير. بعد تردد طال عدة أشهر بدأت تركيا باستهداف «مواقع لتنظيم داعش»داخل الأراضي السورية ،ولكنها اغتنمت هذه الفرصة لتطال غاراتها الجوية مواقع «حزب العمال الكردستاني». وصنفت أنقرة الحملتين العسكريتين ضد «داعش» من جهة والأكراد من جهة أخرى في إطار واحد هو «الحرب على الإرهاب»، مع أن الطرفين المستهدفين يتواجهان أصلا في معارك شرسة . وأكد دايفيد رومانو أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة ميزوري أن الحملة العسكرية التركية تركز أساسا على حزب العمال الكردستاني وليس على «داعش» مشيرًا إلى أن تركيا وبعدما سمحت للولايات المتحدة باستخدام قاعدة انجرليك الجوية لشن غاراتها ضد «داعش»، تأمل أن تبادلها بالمثل عبر الابتعاد عن حزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا. وبحسب المصدر نفسه فإن من شأن هذه «الحرب على الإرهاب» أن تخفف من حدة الصعوبات السياسية الداخلية في تركيا بعد الانتخابات، وبالتالي فإن احتمال إعادة اجراء الانتخابات يبدو واردًا جدا. وكتب المعلق جنكيز جندار في صحيفة «راديكال» الألكترونية أن أردوغان أراد «تشويه» صورة حزب الشعب الديمقراطي عبر ربطه بحزب العمال الكردستاني على أمل إحراز نتائج إيجابية في الانتخابات المقبلة . وأضاف إن حملة القضاء على تنظيم «داعش» مجرد ضغط في الانتخابات التركية . ومن جانبه أكد مارك بيانيري، الباحث في مركز كارنيغي أوروبا أن «الحكومة التركية وازنت بين حزب العمال الكردستاني وداعش، ومع أنهما كيانان متباينان إلى حد كبير، فإن هذا الأمر يخدم مصالح الحكومة في الانتخابات المقبلة. ويقول بيانيري أن حزب العمال الكردستاني «كيان متعدد» يتألف من ثلاثة عناصر أساسية هي حزب الشعب الديموقراطي وأوجلان والقيادة العسكرية في شمال العراق، إلا أنهم لا يعملون بانسجام دائما. ولأن السياسة الدولية هي فن إدارة التناقضات، تقوم الولايات المتحدة في الوقت نفسه، ومن قاعدة إنجرليك قريبا، بدعم ذراع العمال الكردستاني السورية، وتقديم مظلة جوية له ضد «داعش»، بما يتناقض مع المصالح التركية، إلى درجة ما، وبجرعة محددة. إذ قال وزير الدفاع آشتون كارتر ورئيس الاستخبارات الأسبق مايكل هايدن، إن أميركا لن تعمل على تقسيم سوريا. ومن الواضح أن حدود ذلك الحلف لن تذهب أبعد مما تريده واشنطن من استخدام مقاتلي «حزب الاتحاد الديموقراطي» المتمرسين والمنضبين والمتجانسين حزبيا وعرقيا، أكثر من أي مجموعة سورية معارضة مسلحة، كرأس حربة في قتال «داعش»، من دون المخاطرة بمواكبتهم نحو مشروع سياسي، يغضب الأتراك، ويتجاوز توقعات الأكراد السوريين أنفسهم، الذين باتوا يتمتعون بفائض قوة، تقض مضاجع أنقرة. وكان أردوغان أعلن في يوليو2009 أن حكومته تعمل على اتخاذ خطوات تهدف إلى حل المسألة الكردية،غير أن حكومته لم تكشف حتى الآن أية تفاصيل عن مبادرة السلام ، وإن يكن نواب من حزب العدالة والتنمية أفادوا أنها قد تعيد تسمية ألاف القرى الكردية التي تحمل أسماء تركية وتوسع تعليم اللغة الكردية. لا شك أن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ليس أسطورة نهاية هذا القرن فقط ، ولكنه تحول إلى بطل قومي بالنسبة للأكراد على غرار غاريبالدي في إيطاليا القرن التاسع عشر ، وإلى رمز وحد الوجدان الكردي في "الأسطورة" ما يجعل إحراق الأجساد من أجله ترويدة قومية . غير أن غياب أوجلان، لم يشكل نهاية المطاف بالنسبة إلى المسألة الكردية في تركيا، وكذلك الأمر أيضاً للحركة الكردية المسلحة . غير أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أنقرة سنة 2002، غيّر من نظرته إلى الأكراد ، إذ اعترف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في سنة 2005، لدى زيارته مدينة ديار بكر، التي تقع في جنوب شرق تركيا و تسكنها أكثرية كردية ، بوجود مشكلة كردية ، حيث قال: «لقد وقعت أخطاء» في المواجهة مع الأكراد، ومن الضروري منحهم «المزيد من الديمقراطية»، والامتناع عن إتباع سياسة الاضطهاد ضدهم. غير أن هذا الموقف الشجاع من جانب أردوغان تجاه المسألة الكردية ، لم يسهم في تحقيق مطالب الأكراد، إذ عاد حزب العمال الكردستاني إلى ممارسة الكفاح المسلح في سنة 2005، انطلاقاً من جبال قنديل في شمال العراق. وبذلك، عادت المسألة الكردية في تركيا مجدداً إلى دائرة الجدل الساخن بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، في ضوء الأزمة السورية، وتغيير تركيا محور سياستها الخارجية باتجاه الابتعاد عن الغرب والتقارب مع العالم العربي الإسلامي. إن حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا وعدد كبير من البلدان منظمة إرهابية، يخوض صراعاً مسلحاً منذ 1984 للدفاع عن حقوق الأكراد في تركيا، حيث أسفر الصراع هذا عن 45 ألف قتيل على الأقل. بيد أنه في الوقت الحاضر لم يعد حزب العمال الكردستاني يطالب بالانفصال عن تركيا، وبالتالي تكوين دولة كردية مستقلة، بل إنه أصبح يبحث عن تسوية سياسية قوامها الاعتراف بحقوق الأكراد الثقافية، وتحقيق الحكم الذاتي للأكراد داخل الدولة التركية الموحدة ديمقراطياً.