17 سبتمبر 2025

تسجيل

منطق المقاومة عند الحكام العرب

07 أغسطس 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في الطائرة وفي هذا الأسبوع كان بجواري الإعلامي الأستاذ: جمال خاشقجي، وكان من جملة الحديث معه منطق عدد من الإعلاميين عن الأحداث في غزة، وفي ثنايا الحديث مدَّ يده على إحدى الصحف العربية الدولية مشيراً إلى خمس مقالات فيها كلها تُحمِّل حماس ما جرى في القطاع، ثم عقَّب ساخطاً: هذه المقالات السخيفة التي لا تعتمد على أي منطق أو تحليل.أقول: إن العجيب في الأمر أن هذه الكتابات هي التي تُغذِّي – وللأسف - فكر الكثير من قيادات الحكومات العربية - إلا ما رحم ربك!أي إن منطق المقاومة عند الكثير من الحكام العرب خاطئ، لأنه باختصار يتمثل في مفاهيم ثلاثة تهمهم: (الإسلام السياسي) أو باختصار: الوجود الإخواني - الممثل في (حماس)، المحرِّك للربيع العربي وتداعياته. ثم (السَّلام) أو باختصار: الحرص كل الحرص على تهدئة المنطقة، والنزوع للدَّعة، وعدم استفزاز القوة الصهيونية، وما يجري معها تحت الطاولة من تحالفات. وثالثاً: (أمريكا) وأوامرها وشروطها، وتهديداتها وتخويفاتها من أحداث هنا وهناك في الوطن العربي سواء ما كان منها في سوريا، أو العراق، أو ليبيا، وسواها من المناطق الساخنة التي ترعب بتداعياتها وآثارها الجميع.وسأجيب عن منطق هذا التفكير بنقطتين اثنتين، بيد أنني أحب أن أذكر هذه المجموعة التي تدعي الثقافة، ومن يتقبل أو يتشرب فكرها من بعض الحكام ومن ينوب عنهم، أن الحديث عن المقاومة هنا هو أمام اليهود المغتصبين، والصهاينة المحتلين.فلا الحديث عن تنظيمات عربية، ولا أحزاب سياسية، إنما عن فصيل يهودي منحرف خالص، وقاتل بكل عتاده، ومناور بكل تكتيكاته عبر التاريخ الحديث في كل الوطن العربي، الذي تثبت الصور والأفلام كل ما حصل، لو كانوا يعقلون.وأعود الآن للإجابة عن منطق التهاويل التي يطرحها هؤلاء الكُتَّاب والحكام في شأن المقاومة ضد الصهاينة المحتلين من ناحيتين: (تاريخية نفسية) و(ميدانية واقعية).أما من الناحية التاريخية النفسية فإنه منذ نزول القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والحديث فيه عن اليهود بأن لهم طبيعة واحدة، وجبلَّة متكررة لا تتغير، ولا تختلف فيهم جيل عن جيل، فهم في كل عصر ومصر أصحاب سوء وانحراف سلوك، والتواء موقف، ونقض عهود ومواثيق.فقد توجه القرآن الكريم إليهم يذكرهم بنعم الله تعالى عليهم ليطالبهم بالوفاء بعهد الله وميثاقه في إيمانهم بخاتم الرسل: "يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيَ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ" [البقرة: ٤٠].وسجل عليهم القرآن الكريم أنهم قتلوا عدداً من الأنبياء، ومن الدعاة الصالحين. قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [آل عمران: ٢١].كما وصفهم الله تعالى في القرآن بشدة الحرص على الحياة، والبقاء فيها، بأي حياة مهما كانت، فقال تعالى: "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" [البقرة: ٩٦]. بل ونعتهم القرآن بالجبن المتأصل في نفوسهم، فقال سبحانه: "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ " [الحشر: ١٤].وسجل عليهم القرآن الكريم استهتارهم بدينهم، مما حملهم على تبديل كتاب ربهم وتحريفه، ابتغاء منافع الدنيا وأموالها، فقال تعالى: "فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" [البقرة: ٧٩].بل وسجل عليهم القرآن الكريم الوقاحة والسفاهة والبذاءة، بما لم يسبقهم إليه أحد، ولن يلحقهم فيه أحد، حتى لقد بلغوا في ذلك أن وصفوا ربهم الذي خلقهم بالبخل - قاتلهم الله- "وَقَالَتِ الْيَهُوْدُ يَدُ اللهِ مَغْلُوْلَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيْهِمْ وَلُعِنُوْا بِمَا قَالُوْا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوْطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيْدَنَّ كَثِيْرًا مِّنْهُمْ مَّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوْا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِيْنَ" [المائدة: ٦٤].ووصفوه سبحانه بالفقر - تعالى الله عما يقولون-" لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" [آل عمران: ١٨١].ومن أخطر وأسوأ أفعالهم عداوتهم المستمرة أبد الدهر للمسلمين. قال تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ" [البقرة: ١٢٠]. وقال سبحانه: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ" [المائدة: ٥٩].إن عناية القرآن الكريم الشديدة بالكشف عن طبيعة اليهود وأعمالهم المستمرة، كان بهدف وضع المسلمين على المحجة البيضاء، كي لا يخدعوا بمعسول كلامهم، ويغريهم بنو يهود بالوعود والمواثيق الآيلة إلى النكث والنقض.وفي أهم تطبيق عملي في السيرة مع خير البرية صلى الله عليه وسلم، نجدهم في المدينة قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يحدثوا فيها حدثاً، ولا يُؤْوا مُحدِثاً، وأن يسالمهم ويسالموه، ولكن يهود ما لبثت أن أدركتها طبيعتها، وغلبت عليها جبلتها، وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة.أما بنو قينقاع فقد شرقوا بنصر المسلمين في بدر، وغلى الحقد في قلوبهم على الإسلام، واستغلوا مشهد امرأة مسلمة تشتري من صائغ في سوق بني قينقاع، فاجتمع عليها نفر من اليهود وأرادوها أن تكشف وجهها فأبت، ثم عمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فعدت يهود على المسلم فقتلوه، فكان أن حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع ليالي حتى نزلوا على حكمه، وذلك في شوال من السنة الثانية للهجرة، ثم أُجْلوا عن المدينة.وأما بنو النضير، فلم يثبتوا على عهد رسول الله ونكثوا الميثاق، ولم يصبروا على مكرهم بالإسلام، ولما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منهم أن يشتركوا في دفع دية اثنين من المشركين، أمَّنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتلهم أحد المسلمين وهو لا يعلم بالأمان، وذلك بعد غزوة بدر بستة أشهر، قالت بنو النضير: نفعل يا أبا القاسم، اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، ثم تآمروا على قتله، بطرح الرحا على رأسه من فوق السطح. فجاءه الخبر من السماء، فنهض مسرعاً، ثم أمرهم بمغادرة المدينة فرفضوا، فحاصرهم حتى خضعوا، وأجلاهم عن المدينة.وأما بنو قريظة، فلم يجدوا فرصة للغدر ونقض الميثاق إلا بادروا إليها، ولـمَّـا تحزبت الأحزاب حول المدينة المنورة، انضموا إليهم، ناقضين العهد مع الرسول، وبعد أن ردَّ الله كيد الذين كفروا، حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقتل رجالهم، وسبى نساءهم. وكان هذا في السنة الخامسة للهجرة.وفي السنة السابعة، وبعد صلح الحديبية، غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبقى من اليهود في بلاد العرب، فغزا خيبر حتى فتح حصونها، واستسلم له بعضها الآخر. وغزا وادي القِرى فاستسلم له من كان فيها من يهود.وقد منَّ رسول الله على يهود خيبر، وأبقاهم يزرعونها على أن يكون لهم نصف ثمرها. ولكن أدركتهم جبلتهم الخسيسة في نكث المواثيق، فلما جاءهم عبدالله بن عمر رسولاً من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ ليقاسمهم ثمار خيبر، حاولوا قتله، وألقوه من فوق أحد البيوت، فخُلعت يده، فأجلاهم عمر بن الخطاب عن بلاد العرب.وهكذا عرف التاريخ غدرهم ونقضهم للعهود، وصدق الله تعالى إذ قال فيهم: "أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" [البقرة: ١٠٠].فهل بعد هذه النصوص والحقائق يغيب وعي بعض من انتسبوا للإسلام، وحكموا ديار المسلمين، ويظنون في اليهود مجرد ظن حرصهم على المنافع والمصالح؟!وهلاَّ على هدي السيرة اقتفوا في تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود بعد فضح دسائسهم ومكرهم؟! وأنطلق الآن للنقطة الثانية: (الميدانية الواقعية) والتي ما هي إلا وثيقة جديدة، كل ما فيها أنها معاصرة، وأدعى لحكاية ووعي الواقع القريب.ففي (1967) زمن النكسة، اجتمع عدد من الدول العربية الأقوى بعتادها العسكري وتمويلها النفطي، ورغم كثرتها وعتادها خسرت، لأن مظلتها كانت المادية والقومية والهبَّة المضرية، من غير هدف واضح، ولا عقيدة راسخة، فخسرت الأمة العربية من جغرافيتها في خمسة أيام: سيناء في مصر، وهضبة الجولان في سوريا، ومزارع شبعا في لبنان، والضفة الغربية والغور في الأردن، وجزيرتي تيران وصنافير على مدخل خليج العقبة في السعودية، وأخطر من ذلك ضياع القدس!ومن (67) إلى أكتوبر (73). عندما قام جيش واحد من كل تلك الجيوش العربية، فاختلف نداء حركته إلى (الله أكبر) عقيدة، ورسخ في ذهنه قيمة التحرر من اليهود، وشاركه الجيش السوري الموحَّد معه، فكانت الملحمة التاريخية المعاصرة، التي كُتبت فيها الكتب الخالدة، وغُنيت لأجلها الأغاني الوطنية التي صدح كبار المغنين بأدائها بافتخار، ومازالت تذاع إلى اليوم!ثم حصل السلام بدل منطق الحق والقوة ببركة أمريكا وحلفائها، وخفوت صحوة الضمير وكبرياء الحق.وبعد طول نكسة وغفلة ونومة، عادت حماس ومن بجوارها من الفصائل المباركة لتخوض حربا في رمضان كما حرب العاشر من رمضان (أكتوبر 73)، وتقتل (497) جنديا، و(113) ضابطا، وتجرح (879) جنديا، و(362) ضابطا - كما في صحيفة هارتس العبرية، وتكبد العدو الصهيوني الخسائر بالمليارات من الدولارات.ولمن يريد أن يعرف أو لا يعرف أو أن يفهم أو لا يفهم، فإن حماس اليوم كسرت حاجز الخوف من الصهاينة، وباغتت العدو بالصواريخ التي هزَّت تل أبيب، ولم تصدها أي قبب رادعة.حماس اليوم بنت أرضاً تحت الأرض للمقاومة، ووصلت لما بعد خط العدو، وتلاحمت في منطقة الصفر عشرات المرات، وقالت وفعلت.حماس اليوم ومن معها بأيديهم وعقولهم واستثمار إمكاناتهم يتماسون من منطقة الصفر بكل قوة وفن عسكري، وقلب مزلزل، ويد مدمرة للمحتل وأعوانه.وإذا كنا نحزن على حال من قتل من إخواننا وأهلنا الأبرياء في غزة، فإننا نتساءل: ألم يثبت أن مئات الشهداء هم من اللاجئين في مدارس الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، وأكثرهم أطفال ونساء وعجائز؟! فهل هذا القصف المتعمد لهذه الأماكن رصيد فخر، وسجل بطولة؟!إن حماس وبقية الفصائل الشريفة بقيت محافظة على عقيدتها الإيمانية، وعقيدتها البطولية الميدانية.فهي لله وللجهاد، ثم لفلسطين ضد اليهودي الغاصب.فهل يا حكام العرب - ممن خذل منكم غزة - ومن تكلم باسمكم ولكم، تعيدون فهم الدرس من جديد؟وإن لـم تفعلوا، فتذكروا أن لعنة التاريخ على الظالمين سنة فاعلة إلى يوم الدين.واعقلوا أن صمتكم هو الفتنة بعينها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "خير الناس في الفتن رجل آخذ بعنان فرسه، خلف أعداء الله يُخيفهم ويخيفونه". [رواه الحاكم].إنه المنطق النبوي الأصيل في أن الرجل لا يهرب وقت الفتن، فاثبتوا أيها الحكام لتكونوا رجالاً.