15 سبتمبر 2025

تسجيل

حتى لا تنزلق المقاومة للسيناريو الأسود

07 أغسطس 2014

كان العدو إلى ما قبيل إعلان نتنياهو الانسحاب من طرف واحد بين أربعة خيارات لإنهاء حربه على غزة، أحدها: أن يوسع عدوانه على غزة بالهجوم البري وهو ما اتضح أنه ليس جاهزا له وأن حساباته السياسية والميدانية لا تسمح له بالمراهنة على ذلك.. الثاني: أن يرسل وفده المفاوض إلى مصر ليواجه وفدا فلسطينيا موحدا مصرا على مطالب مدعمة بالقانون الدولي والمنطق الأخلاقي، وكلها بالنسبة له – للعدو - خسارات استراتيجية على صعيد ما سيعود على المقاومة ثم على صعيد ما سيرجع على ائتلافه الحاكم وعلى معنويات جيشه وثقافة شعبه.. والثالث: أن ينهي حربه من طرف واحد مدعيا أنه حقق ما خرج للحرب من أجله وهو لا يضمن أن توقف المقاومة حربها حيثما يريد.. أما الخيار الرابع: فهو سحب قواته جزئيا إلى خارج مرمى المقاومة، وفي تقديره أنه دمر الأنفاق الهجومية ودمر معها قدرة المقاومة على اختراق خطوطه الخلفية.. فيما يستمر هو في القصف والقتل عن بعد دون خسائر مؤثرة في جنوده.. وأقول: من الواضح أن العدو قد رسا على هذا الخيار - الرابع - الذي يرى أنه يستنزف به قدرات المقاومة، ويجعل له القدرة على التصعيد والتخفيض حيثما ووقتما وكيفما يشاء، وأنه سيفتح له الباب واسعا لاستثمار وتوظيف الحلف الجديد الإقليمي – الذي يتحدث عنه - ضد المقاومة، وسيعفيه من دفع الأثمان التي تصر عليها المقاومة ومن أي التزامات مستقبلية. بقتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين يراهن العدو على امتعاض ثم ثورة الشعب والسلطة وقوى المخاصمة على المقاومة.. وقد يُلجئها تحت ضغط كثرة الدماء في مدنييها وعدم تحقيقها إنجازات ميدانية مهمة إلى التوقف عن الحرب وربما الاستجارة بمصر التي ستستغل ذلك لتحقيق أهداف العدوان الصهيوني وإخضاع حماس وصولا لنزع أسلحتها..في ضوء ما سبق فإن المتوقع وقد بدأنا نرى بعضه فعليا.. هو أن يقوم بسحب الجيش من مناطق الاحتكاك الشديد إلى مسافة أمان من مرمى المقاومة، وأن يعرض هدنات متتالية تحت عناوين إنسانية وأخلاقية ثم يخفض مستوى ووتيرة الهجمات شيئا فشيئا وصولا لإنهاء القتال وتبريد الجبهات، مع دوام التهديد بالمعاودة وربما يكرر اقتناص هدف هنا أو هناك. إذا سار هذا السيناريو وفق مخطط الاحتلال فالمتوقع أن تبرد الوساطات في لحظة ما، وأن ينصرف الناس إلى حياتهم، وأن تتبعثر إنجازات المقاومة، وأن يعود الوفد الفلسطيني من مصر دون أن يتلقاه أو يسأل عنه أحد، وفي أحسن الأحوال أن يتفاوض العدو مع السيد عباس على ذات الطريقة المعتادة للثلاثين سنة الماضية، فيستمر الحصار أو يقنن ويمعير بكيفية تمنع المقاومة من الاستفادة من تخفيفه.. فإن حدث ضغط دولي في اتجاه فكه وهذا غير متوقع فلن يكون جديا لارتباطه بالحالة الميدانية - التي ستكون لصالح العدو – مع هدوء الجبهات وتخلي الوسطاء واستعداد عباس لتقبل صيغ لا تخدم المقاومة. لكن هذا السيناريو يحتاج مدى زمنيا طويلا ليحقق غاياته ولتتقبله المقاومة.. فكيف وقد نفد الوقت وكثرت المتغيرات، وصارت فاتورة الحرب كثيرة وكبيرة؟ وكيف والرفض الدولي يجتاح أمريكا الجنوبية والشعوب العربية بالأخص في البلاد التي توالي العدو وتعاونه صراحة أو بالمخاتلة؟ وكيف إذا كانت الضفة الغربية تتهيأ لانتفاضة ثالثة؟ وكيف إذا كان يخشى أن يمسك استمرار المعارق وصمود المقاومة للشعوب طرف خيط ثورات الربيع العربي من جديد؟ ثم إن استمرار المعركة يعني استمرار قصف مدن العدو وإبقاء الملايين من مواطنيه في الملاجئ ويعطل اقتصاده.. فإذا أضفنا لهذا المشهد أن بإمكان المقاومة أن تفاجئ العدو من جديد بإبداعات من مثل الأنفاق الهجومية والصناعات الحربية والعمليات الجريئة؟. من هنا فإن على المقاومة: ألا تسمح للعدو أن يقرر هو نهاية المعركة وقتما يشاء، وأن تستفيد من تراكم التضحيات لإبقاء عين العالم على المنطقة ومتطلباتها، فذلك مكسب لا يجوز التفريط فيه، وأن تواصل قصف مدن العدو وقراه ومستوطناته، وتواصل عملياتها النوعية لتفرض على ملايين مواطنيه وعلى اقتصاده أن يظل تحت التهديد بما يعيده لمربع دفع الثمن. صحيح أن الاستمرار في المواجهة هو الخيار الأصعب وينطوي على ثمن في الدم والضحايا؛ غير أن المقاومة تلجأ له على سبيل الاضطرار، وأن مكتسباتها المنظورة منه استراتيجية وتستحق الإصرار، وأن تستحضر مفاهيم (إنما النصر صبر ساعة، ومنطق من يصرخ أولا).آخر القول: على المقاومة ألا تمكن العدو من قرار الفرار، أو إمكانية معاودة العدوان من جديد، فذلك ضروري لحفظ ما بنته من قدرات وما راكمته من رصيد ثوري وأمجاد الشهداء لخوص معركة التحرير الأكبر.. ولا يكون ذلك إلا بالاستمرار في المعركة كلما أراد العدو الخروج منها حتى يدفع الثمن عن يد صاغرا ذليلا..